219 - وولى أبنه المظفر مصر من بعده، فسار إلى يحيى وقاتله في بحيرة تنيس، وأخذه أسيراً. فانقرضت دولة العرب من مصر وصار جندها العجم والموالي من عهد المعتصم ". ولعل قيام لخم وجذام في وجه الوالي ومقاومتهم سياسة المعتصم، دليل على أنهم كانوا أشد تأثراً من إخوانهم القيسية بقرار الخليفة بحرمان العرب من العطاء، فلعل مرتبات الدولة كانت هي المصدر الوحيد لمعاش الكثيرين منهم. ومن المتوقع أن تدفع هذه الحادثة جماعات لخم وجذام ومن على شاكلتهم إلى السعي وراء الرزق من مورد آخر غير مورد الجهاد والحرب. ومن الطبيعي أن تتفرق هذه الجماعات على مصر لممارسة الزراعة أو التجارة أو الصناعة أو غير ذلك من المهن والحرف التي كانت في ذلك الحين وقفاً على جماعات من قيس وسكان البلاد السابقين. أما اللخميون الذين سكنوا الإسكندرية وما حولها، فقد ظهر منهم بنو مدلج، ولعلهم أقدم من سكنها من اللخميين، ثم تزعموا حركة اللخميين في سنة 252هـ بقيادة جابر بن الوليد المدلجي، وأعلنوا الثورة على العباسيين الذين اصطنعوا العناصر التركية، منذ عهد المعتصم، واجتمع إلى جابر كثير من بني مدلج وهزموا جيش الوالي، وقوى أمرهم وأتاهم الناس من كل ناحية، وانضم إليهم رجل علوي من الطالبيين، وتزعم حركتهم، وبسط سلطانه على بنا وبوصير وسمنود، فبعث أمير مصر يجمع من الأتراك وكثرت المعارك بينهم حتى فرقهم. ويظهر أن بني مدلج قد نزحوا على أثر هذه المعارك - أو نزحت جماعات منهم إلى الصعيد الأدنى، إذ نجدهم في عصر المقريزي يسكنون بجوار إخوانهم اللخميين، في بلاد أطفيح والبهنساوية. وندع الوجه البحري والصعيد الأدنى إلى الصعيد الأوسط والأقصى. ففي بلاد الأشمونين، نزلت بلى وجهينة وانتشرت جماعات منهم في الصحراء الشرقية، وبلغوا أقصى الصعيد، وهما فرعان من المجموعة السبئية، وظلوا في مساكنهم إلى زمن الفاطميين، ثم طردوا منها، ونزلت قريش مكانهم، وانهزمت بلى وجهينة إلى الصعيد الأعلى. أما الصعيد الأعلى، في هذه المرحلة، فقد سكنه جموع هائلة من عرب سبأ، ونزل منهم في أرض المعادن خلق كثير، وكانت بلى وجهينة من جملتهم. وولى أبنه المظفر مصر من بعده، فسار إلى يحيى وقاتله في