واجتمع إلى جابر كثير من بني مدلج وهزموا جيش الوالي، وقوى أمرهم وأتاهم الناس من كل ناحية، وانضم إليهم رجل علوي من الطالبيين، وتزعم حركتهم، وبسط سلطانه على بنا وبوصير وسمنود، فبعث أمير مصر يجمع من الأتراك وكثرت المعارك بينهم حتى فرقهم. ويظهر أن بني مدلج قد نزحوا على أثر هذه المعارك - أو نزحت جماعات منهم إلى الصعيد الأدنى، إذ نجدهم في عصر المقريزي يسكنون بجوار إخوانهم اللخميين، في بلاد أطفيح والبهنساوية. وندع الوجه البحري والصعيد الأدنى إلى الصعيد الأوسط والأقصى. ففي بلاد الأشمونين، نزلت بلى وجهينة وانتشرت جماعات منهم في الصحراء الشرقية، وبلغوا أقصى الصعيد، وهما فرعان من المجموعة السبئية، وظلوا في مساكنهم إلى زمن الفاطميين، ثم طردوا منها، ونزلت قريش مكانهم، وانهزمت بلى وجهينة إلى الصعيد الأعلى. أما الصعيد الأعلى، في هذه المرحلة، فقد سكنه جموع هائلة من عرب سبأ، ونزل منهم في أرض المعادن خلق كثير، وكانت بلى وجهينة من جملتهم. ق التي سيطروا عليها، ولا شك أن الفرصة كانت سانحة لهم حينئذ للتفرق على هذه المواطن والتوطن بها. وعلى أي حال، فإن المقريزي يحدثنا أن جذاما كانت من قبائل الصعيد. وأن لخما سكنوا الصعيد الأدنى والأوسط. وبقيت جموع كبيرة منهم في الإسكندرية وشرقي الدلتا، إلى أن دارت دورة الأحداث في السنوات التالية فدعت كثيراً منهم إلى التفرق والتشتت. ففي خلافة المعتصم العباسي " 218 - 227هـ " حًرم العرب من مرتبات الدولة التي كانت تؤدى إليهم باعتبارهم جنوداً، وكان في مصر ديوان للجند تدون فيه أسماء العرب وأسراتهم وتقدر لهم مرتباتهم اللازمة لهم. فلما جاء الخليفة المعتصم " استكثر من جند الأتراك وأثبتهم في الديوان وأمر واليه في مصر كَيْدر بن نصر الصفدي بإسقاط من في ديوان مصر من العرب وقطع العطاء عنهم ". " فلما قطع كيدر عطاء أهل مصر، خرج يحيى بن الوزير الجروي في جمع من لخم وجذام، وقال له: هذا أمر لا يقوم فينا أعضل منه، لأنا منعنا حقنا وفيئنا. واجتمع إليه نحو خمسمائة رجل. ومات كيدر في ربيع الآخر سنة