أ - ندرك مما سبق أن هجرة العرب إلى مصر كانت منذ أقدم العصور، في الجاهلية البعيدة، وأن الهجرة إلى مصر كانت أمراً ميسوراً في أي وقت في خلال تلك العصور لوجود قنطرة ثابتة مفتوحة للعبور منذ القدم، وهي طرق سيناء.
ب - بعض الموجات النازحة إلى مصر كانت لا تتجاوز منطقة الوجه البحري أو جزءاً منها، وبعضها الآخر، كان يتوغل إلى أن يصل إلى صعيد مصر الأعلى. فلم يكن أثر العرب مقصوراً على جهة معينة من مصر بل كان موزعاً على جهات مختلفة منها.
ج - غير أن هذه الموجات النازحة، كانت في تلك العهود، أشبه ما تكون بالجاليات، لأنها عاشت حينئذ في كنف حكومات غير عربية، ولأنها كانت تحمل معها ألسنة مختلفة عن اللغة الرسمية لمصر، ولأنها لم يتح لها في تلك العهود الانضواء تحت لغة رئيسة واحدة تجمع بين شتاتها، وتؤلف بين المتكلمين بها، ولأن هذه الجماعات كانت مفرقة الأهواء الدينية والسياسية، لا يجمع بينها منزع ديني واحد ولا وجهة سياسية معينة.
د - ومع هذا كله فلا سبيل إلى إنكار أن هذه الهجرات المتلاحقة، كانت تمثل المرحلة الإعدادية في تعريب مصر. لأن اللغات أو اللهجات التي حملوها معهم إلى مصر، على أختلافها، تعد شقائق للغة العربية التي نعرفها اليوم. ولأن الأسس الحضارية، التي عبروا عنها، ومارسوها، كانت أسساً عربية انبثقت من بيئات شبه الجزيرة العربية. ولأن هذه الجماعات، لا بن أنهم قد امتزجوا بأهل مصر الأقدمين وخلفوا فيهم آثاراً سلالية وثقافية.