ب - وأعلنت الثورة أن الوطن العربي رقعة جغرافية واحدة تمتد من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، وأن بين شعوبه من التقارب والالتقاء ما يؤكد أنهم جميعاً أمة واحدة. ولدينا فيما أوردناه في كتابنا هذا مثل حي للأواصر الوثقى التي ربطت بين شطري وادي النيل: مصر والسودان، وهما يؤلفان جزءاً من الوطن العربي الأكبر. وليس من شك في أن المستودع الأول، في شبه الجزيرة العربية، الذي أمد شطري الوادي بالعناصر العربية منذ عصور الجاهلية، هو نفسه الذي أمد بلاد المغرب كلها في إفريقية، وبلاد الشام والعراق في آسيا. والملاحظ أن القبيلة الواحدة، كانت تتوزع على هذه المواطن كلها أو معظمها، وأن الأسرة الواحدة كثيراً ما تفرق أفرادها على رقعة هذا الوطن. وهذا يعني أن أواصر القربى قد ربطت بين هذه المواطن ربطاً وثيقاً. وفوق هذا كله، فإن اللغة بين هذه البلاد واحدة، وجوهر الثقافة مشترك، والإرادة الشعبية واحدة، والكفاح في تاريخه الطويل كان يهدف إلى الحرية العربية في كل مكان. وكانت النتيجة الطبيعية التي لا محيص عنها هي أن العرب جميعاً قومية واحدة، هي القومية العربية. غير أن حكام العهود السابقة قد عملوا على تمزيق أوصال الوطن العربي، وتفتيت القومية العربية أو صرف الناس عنها بوسائل شتى حتى يضللوهم عن حقيقة هي أظهر من فلق الصبح. ولسنا بحاجة إلى القول بأن المؤثرات الدخيلة التي جلبها المستعمرون ودعاة الفُرقة إلى الوطن العربي، لم تكن - في حقيقة الأمر - سوى عوائق مؤقتة، لم تلبث أن تزول بزوال أسبابها. ولقد علمَنا التاريخ أن إرادة الشعوب لا بد أن تنتصر. وعندما تحررت إرادة الشعبين المصري والسوري من تلك المؤثرات، فسرعان ما التقى الشعبان، في تجاوب عميق وامتزاج رائع.