والثاني: يلزمهما حكمه بنفس الحاكم؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من حكم بين اثنين تراضيا بحكمه، فلم يعدل.. فعليه لعنة الله» ، فلما توعده على ترك العدل في الحكم.. دل على أنه إذا عدل.. لزم حكمه، ولأن من صح حكمه.. لزم حكمه بنفس الحكم، كالحاكم إذا ولاه الإمام.
فعلى هذا: إذا حكم بينهما.. لم يكن لأحدهما الامتناع، وإن امتنع أحدهما بعد شروعه في الحكم وقبل تمامه.. ففيه وجهان:
أحدهما: له ذلك؛ لأن رضاهما لم يوجد حال الحكم، فهو كما لو امتنع أحدهما قبل شروعه في الحكم.
والثاني: ليس له ذلك؛ لأنا لو جوزنا له ذلك؛ لأدى إلى أن كل واحد منهما إذا رأى من الحاكم ما لا يوافقه.. رجع، فيؤدي إلى إبطال المقصود.
واختلف أصحابنا في الموضع الذي يصح فيه حكمه:
فمنهم من قال: يصح في جميع الأحكام؛ لأن من صح حكمه في حكم من الأحكام، صح في جميع الأحكام، كالحاكم إذا ولاه الإمام.
والثاني: يصح حكمه في جميع الأحكام إلا في أربعة أحكام: النكاح، واللعان، وحد القذف، والقصاص؛ لأن هذه الأحكام غلظ بها في الشرع، فلا يجوز أن يتولاها إلا الإمام أو من ولاه الإمام. هذا نقل أصحابنا العراقيين.
وقال المسعودي [في " الإنابة "] : إذا حكما بينهما حاكما، فحكم.. فهل ينفذ حكمه؟ فيه قولان.