وقيل أيضا إن سبب ظهوره كان خدمته للسيدة صبح البشكنشية، أم عبد الرحمن وهشام؛ فكانت أقوى أسبابه في تنقيل الملك عما قليل إليه؛ فإنه استمال هذه المرأة بحسن الخدمة، وموافقة المسرة، وسعة البذل في باب الإتحاف والمهاداة، حتى استهواها، وغلب على قلبها؛ وكانت الغالبة على مولاها، وابن أبي عامر يجتهد في برها والمثابرة على ملاطفتها؛ فيبدع في ذلك، ويأتيها بأشياء لم يعهد مثلها، حتى لقد صاغ لها قصرا من فضة وقت ولايته السكة، عمل فيه مدة، وأنفق فيه مالا جسيما؛ فجاء بديعا، لم تر العيون أعجب منه؛ وحمل ظاهرا لأعين الناس من ذار ابن أبي عامر، وشاهد الناس منه منظرا بديعا، لم تر العيون أعجب منه؛ فتحدث الناس بشأنه دهرا، ووقع من قلب المرأة موقعا لا شئ فوقه؛ فتزيدت في بره، وتكفلت بشأنه، حتى تحدث الناس بشغفها به. وقال الحكم يوما لبعض ثقاته: (ما الذي استلطف به هذا الفتى حرمنا حتى ملك قلوبهن، مع اجتماع زخرف الدنيا عندهن، حتى صرن لا يصفن إلا هداياه، ولا يرضيهن إلا ما أتاه؟ إنه لساحر عليم، أو خادم لبيب! وإني لخائف على ما بيده!) ثم سعى به إلى الحكم، وقيل عنه إنه قد أسرع في إتلاف مال السكة الموقوف قبله؛ فأمره الحكم بإحضاره ليشاهد سلامته؛ فأظهر الإسراع إلى ذلك، وقد استهلك جملة من الأموال؛ فألقى نفسه في جبرها على الوزير ابن حدير في إسلافه إياها؛ وكان صديقا له؛ فياسره فيه، وةحمل المال إليه من وقته؛ فتمم به ما قبله، وارتفعت الظنة عنه؛ فأكذب الحكم ما رفع إليه عنه، وازداد عجبا به، وأقره على حاله؛ فرد ابن أبي عامر المال لابن حدير من حينه، ولصق بالحكم، وصار في عداد كنفاته.
واشتغل قلب الحكم، آخر أيامه، بأمر العدوة ومن جرده إليها من عساكره لحرب الأدارسة وغيرهم، واغتم لما خرج من يده في ذلك الوجه من الأموال.