قال بعض المؤرخين: كان اتصال ابن أبي عامر بالحكم، فيما حدثني به ابن حسين الكاتب والأديب أبو إسحاق بن محمد الإفليلي وغيرهما من المشيخة أن الحاجب جعفر بن عثمان المصحفي، القائم بدولة الحكم، خلا في بعض الأيام بالقاضي محمد بن إسحاق بن السليم؛ فشكا إليه ابن السليم شجوه بمحمد بن أبي عامر ووصف له حاله. فلما طلب الحكم له وكيلا لولده عبد الرحمن الدارج في حياته، ذكر له جعفر ابن أبي عامر بخير، ووصف لأم عبد الرحمن جماعة اختارت منهم ابن أبي عامر، وذلك باختيار جعفر له؛ فنصبه الحكم لخدمتها وخدمة ابنها عبد الرحمن.
فلما مات عبد الرحمن، بقى في خدمة أمه السيدة، وكانت قد ولدت هشام بن الحكم؛ فصرف ابن أبي عامر لوكالته. وكان تقدمه أولا لوكالة الولد عبد الرحمن يوم السبت لتسع خلون من ربيع الأول سنة 356؛ وأجرى عليه في ذلك الوقت خمسة عشر دينارا في الشهر مرتبا بالوازنة. فبدا من نصحه وحسن نظره ما عرف له؛ ثم استأثر الله بعبد الرحمن؛ فصرف إلى وكالة هشام، يوم الأربعاء لأربع خلون لرمضان سنة 359. وكان قد تقدم للنظر في امانة دار السكة يوم السبت لثلاث عشرة ليلة خلت لشوال من سنة 56. كانت ولايته أولا لوكالة، وأضاف له الخزانة؛ ثم قدمه على خطة المواريث يوم الخميس لسبع خلون من المحرم سنة 358. واستقضاه على كورة إشبيلية ولبلة وأعمالها يوم الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة 58 المذكورة. وفي سنة 361، قدم الحكم المستنصر بالله محمد بن أبي عامر على الشرطة الوسطى في جمادى الآخرة، وأهاب به إلى الأمانات بالعدوة؛ فاستصلحها واستمال أهلها؛ وجعله قاضي القضاة بالغرب من العدوة، وأمر عماله وقواده ألا ينفذوا شيئا دونه، إلا بمشورته؛ ثم أضاف إليه الحكم النظر في الحشم، وهو في علته التي مات فيها بالفالج.