الجمعة للأذان، وهو من أعجب البنيان. وإذ قد وقع ذكر المسجد الجامع بقرطبة؛ فالواجب أن نذكر أول من أحدثه ومن تولي بناءه من ملوك بني أمية. على سبيل الاختصار؛ فنقول:

ذكر مسجد قرطبة الأعظم

ذكر الرازي عن الفقيه محمد بن عيسى أنه قال: لما افتتح المسلمون الأندلس، استدلوا بما فعل أبو عبيدة وخالد - رضي الله عنهما - عن رأي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من مشاطرة الروم في كنائسهم مثل كنيسة دمشق وغيرها مما أخذوه صلحا. فشاطر المسلمون أعاجم قرطبة في كنيستهم العظمى التي كانت بداخلها، وابتنى المسلمون في ذلك الشطر مسجدا جامعا. وبقى الشطر الثاني بأيدي الروم، وهدمت عليهم سائر الكنائس. فلما كثر المسلمون بالأندلس، وعمرت قرطبة ونزلها أمراء العرب بجيوشهم. ضاق عنهم ذلك المسجد، وجعلوا يعلقون منه سقائف؛ فنال الناس من الضيق مشقة عظيمة. فلما دخل عبد الرحمن بن معاوية الأندلس، وسكن قرطبة، نظر في أمر الجامع، وتوسيعه، وإتقان بنائه؛ فأحضر أعاجم قرطبة، وسألهم بيع ما بقي بأيديهم من الكنيسة المذكورة، وأوسع لهم البذل فيه، وفاء بالعهد الذي صولحوا عليه؛ وأباح لهم بناء كنائسهم التي كانت هدمت عليهم في وقت الفتح بخارج قرطبة. وخرجوا عن الشطر؛ فاتخذه وأدخله في الجامع الأعظم. وكان شروع عبد الرحمن الداخل في هدم الكنيسة وبناء الجامع سنة 169؛ وثم بناؤه، وكملت بلاطاته، واشتملت أسواره في سنة 170؛ فذلك مدة من عام كامل؛ فقيل إن النفقة التي أنفق الإمام عبد الرحمن بطول هذه السنة في بناء الجامع ثمانون ألفا بالوازنة. وفي ذلك يقول البلويُّ - رحمه الله - (طويل) :

طور بواسطة نورين ميديا © 2015