وكان، لما ترعرع ابنه الحكم بن عبد الرحمن، ولاه العهد من بعده. وكان له أخ اسمه عبد الله؛ فحسده على ذلك، واجتمع عليه قوم وأراد قتل أخيه؛ واتفق مع أصحابه أن يبادروه؛ فافتضحوا وقتلوا جميعا، كما تقدَّم. وأما الولد عبد الله، فذكر أنه أخرجه أبوه الناصر ثاني يوم عيد الأضحى؛ فذبح بين يديه - رحمه الله -؛ وكان عالما فاضلا.

وكان الناصر أمر ببناء الصومعة العظيمة في سنة 340، وشرع في بنائها؛ وهي الشهيرة التي لا صومعة تعدلها. وكان الذي دعاه إلى بنائها حدث في القديمة؛ فهدمت إلى قواعدها وبنيت بصخر الحجارة المنقولة إليها على العجل؛ وجمع لها فجاءت فائقة الصنعة. وقد كانت الأولى ذات مطلع واحد؛ فصير لهذه مطلعين، وفصل بينهما بالبناء؛ فلا يلتقي الراقون فيها إلا بأعلاها. ولكل مطلع منها مائة درج وسبعة أدراج؛ وطولها ثمانون ذراعا بالرشاشي إلى وقوف المؤذن؛ وفي أعلى ذروة المنار ثلاث رمانات تغشى النواظر بشعاعها، وتخطف الأبصار بالتماعها: الأولى مفروغة من الذهب، والوسطى من الفضة، والثالثة من الذهب أيضا؛ وفوقها سوسانة من الذهب المحض مسدسة؛ وفوق السوسانة رمانة صغيرة من الذهب؛ ثم طرف الزج، وفيه تأريخ مكتوب بالذهب. وزنة كل رمانة من الثلاثة المذكورة قنطار واحد فما دونه، ودور كل واحدة ثلاثة أذرع ونصف. وكمل بناء الصومعة في جمادى الأولى؛ فذلك ثلاثة عشر شهرا.

وكان الناصر زاد في المسجد الجامع بقرطبة زيادته المشهورة، المتصلة بزيادة ابنه الحكم بعده، وفيها القبو الكبير الذي يصطف المؤذنون أمامه يوم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015