فأنا أولى لك ممن لجأت إليه! أكنفك، وأصل رحمك، وأنزلك معي إن أردت وبحيث تريد! ثم لك عهد الله وذمته في ألا أغدر بك، ولا أمكن منك ابن عمي صاحب إفريقية ولا غيره!) في كلام كثير.
قال ابن عيسى: فحدثني تمام بن علقمة أن عبد الرحمن، لما أتاه كتاب الفهري بما فيه وبتزويجه ابنته، أشار عليه كل من أتاه من العرب والأمويين ألا يقبل ذلك منه، إلا أن يعتزل له عن الملك ويبايعه، وإلا حاكمه إلى الله؛ وقالوا له: (إنما يمكر بك، ولا يفي لك بشئ، لأن وزيره ومالك أمره الصميل، وهو غير مأمون!) قال: فلما انكشف أمرنا عنده بما أظهرنا من الإباية ويحبس كاتبه خالد ابن يزيد، رأينا أن تشهر أمرنا. فخرجنا إلى جدار بن عمرو وإلى جند الأردن، واجتمعنا إليه، فأتيناه في ثلاثمائة فارس من جماعة الأمويين، وممن أقبل إليه من وجوه العرب. ثم كاتبنا أهل قنسرين وفلسطين. فلما أقبلت إلينا رسلهم بما أردنا، نهضنا إليهم؛ وكنا قد وطنا على الموت، وعزمنا على أن نقتل دونه، وعقدنا له لواء. وأقمنا معه ستة أشهر، نبرم له أموره، ونكاتب له الناس. وكنا خرجنا إليه في زي حسن عند خروجنا إليه بساحل البحر؛ ثم انتقل من البيرة إلى كورة رية، إلى شذونة، إلى مورور، إلى كورة إشبيلية، والناس يتلقونه بالبشر والترحيب، ويعطونه من الانقياد والطاعة أوفى نصيب. قال تمام: فدخلنا رية في ستمائة فارس، وخرجنا منها في ألفي فارس؛ وخرجنا من إشبيلية إلى قرطبة في ثلاثة آلاف فارس. فلما اجتمعت لنا الجموع، وبلغنا ما يريد الفهري من الخروج إلينا، كتب الأمير عبد الرحمن الكتائب، وعبا الأجناد، وخرج إليه؛ ودعا برجل من الأنصار؛ فعقد لواءه؛ وارتحل في جنوده، حتى احتل بقرية على نهر قرطبة يوم الاثنين لست خلون من ذي الحجة.
وخرج الفهري إلى المصارة. وأقاما ثلاثة أيام متناطرين، والنهر حاجز بينهما بحمله؛ ثم أصبح النهر يوم الخميس، وقد حسر ماؤه. فعبأ الأمير عبد