بما أمكنهم. وأقبل وجوه الناس إلى ابن معاوية، وقالوا له: (خفنا مكر الصميل، ولم نأمن غائلته؛ فعرفنا الفهري بكذا وكذا.) وكان ابن معاوية ببيت في الجبال.

ومضى يوسف بن بخت إلى جند الأردن؛ فأخذ بيعة جميعهم؛ ومضى عبد الله بن خالد إلى جند حمص؛ ومضى تمام بن علقمة إلى أهل فلسطين؛ وأقبل الناس من كل مكان. فلما ضاقت الأحوال بالفهري، ولم يأته من الأجناد إلا اليسير، أدار له الصميل الرأي، وأمره بالمكر بابن معاوية والمخادعة له، ورجا ذلك منه لحداثة سنه، وقال له: (هو قريب عهد بزوال النعمة؛ فهو يغتنم ما تدعوه إليه؛ ثم أتت بعد ذلك متحكم فيه وفي الذين سعوا له بما تحب!) فأجمع رأيه على تأنيسه بأن يزوجه ابنته ويسكنه في أي الجندين شاء، من دمشق أو الأردن، أو يسكن بينهما، ويصير إليه أمر الكورتين. وبعث إليه بكسوتين ومطيتين وخمسمائة دينار، ووجه إليه كاتبه خالد بن يزيد، وقال له: (اعرف أمره وأي جند عنده، وتأمل أخباره وأخبار من معه!) فخرج في الليل مع أصحابه، وأصبحوا على ابن معاوية بالمال والكسوة والمطيتين. ووجه أيضا إلى بدر فرسا ومائة دينار وكسوة. فقبل ابن معاوية الهدية، وكره التزويج؛ فتكلم خالد بكلام غليظ لابن معاوية إذ أبى التزويج؛ فأمر به؛ فضم إلى وثاق، ورد غيره إلى يوسف؛ ولم يرد عليه جوابا.

وكان يوسف قد كتب إلى ابن معاوية كتابا. وهذه بعض فصول منه: (أما بعد، فقد انتهى إلينا نزولك بساحل المنكب، وتأبش من تأبش إليك ونزع نحوك من السراق وأهل الختر والغدر ونقض الأيمان المؤكدة، التي كذبوا الله فيها وكذبونا! وبه - جل وعلا! - نستعين عليهم! ولقد كانوا معنا في ذرى كنف ورفاهية غبش، حتى عصموا ذلك، واستبدلوا بالأمن خوفا، وجنحوا إلى النقض! والله من ورائهم محيط! فإن كنت تريد المال وسعة الجناب،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015