ثلاثين ألف رجل. وكان قتلهم من بعد الصلاة العصر إلى أخر الليل. فلما أصبح، وقد فرغ من القتل والنهى والسبي، نادى بالرحيل، وانصرف إلى مدينة باغاية، إذ خشي أن يحاشد عليه من أهل أفريقية.
واتصل الخبر بزيادة الله في اليوم الثاني، وهو يوم الأحد لخميس بقين من جمادى الأخيرة، فسقط ما بيده، وعلم إنه خارج عن ملكه. وجعل ابن الصائغ يطفئ الخبر ويكذبه له، ويظهر أن الفتح كان لهم على الشيعي. وبرح على أبواب مدينة رقادة: (من أراد اللحاق وجزيل العطاء، للفارس عشرون دينارا وللراجل عشرة دنانير، فليلحق بقصره الأمير!) فلما سمع الناس ذلك بدر إليهم سوء الظن، وعلموا أن الدائرة كانت على أصحاب زيادة الله، وماجوا فيما بينهم. وجعلت الخاصة وأهل الخدمة يفرون من رقادة. فلما رأى ذلك زيادة الله، أخذ في شد الحمال بما خف من الجوهر والمال، وحرك خاصته للخروج معه. فلما كان وقت صلاة العتمة من ليلة الاثنين لأربع بقين من جمادى الأخير، ركب فرسه، وتقلد سيفه، وقدم الحمال فمر من بين يديه، هاربا أعلى عيون أهله وحرمه وولده. فأخذت جارية من جواريه عودا ووضعته على صدرها، وغنته على حمله معه، فقالت (منسرح) :
لم أنسن من الوداع موقفها ... وجفنها من دموعها غرق
قولها، والركاب سائرة: ... (تركنا سيدي وتنطلق
أستودع الله ظبية جزعت ... للبين والبين فيه لي حرق)
فدمعت عينا زيادة الله عند سماعها، وشغله سوء الموقف وضيق الحال عن حملها معه. وخرج عن مدينة رقادة متوجها إلى مصر في ثلث الليل الأول.