في الكليات وعقدها المجامع، واشتغاله بالزينة وعكوفه عليها، قد جرّنا إلى ما ترى، وما خفي عنك أعظم. وأما هذه اللغة فما هي إلا خليط من اللغة العامية واللغات الأجنبية، وأما الفصحى فلم يعد يعرفها إلا المنقطعون لدراستها، وقليل ما هم! ودعني أتمّ لك حديثي الأول: إن هذه النهضة الاقتصادية التي بدأت في زمنك، والتي سارت سيراً حسناً حينما أقبل الطلاب على مساعدتها، لم تلبث أن ركد ريحها وتقاربت خطاها لانقطاع الناس عن مساعدتها ومثابرتهم على شراء البضائع الأجنبية، فضعفت، ثم اضمحلّت فلم يبقَ لها أثر. وخلا الجو لقُبَّرة أوربا، ولكن لا صائد لها!
وهنا جاءت (أو جاء) الكارسون بقدحين من الخمر، فقلت: خمر؟ أأنا أشرب الخمر؟!
- مهلاً يا أخي، فما في المدينة شراب سواه، وإن هذه الحانات التي كانت في زقاق رامي (الذي يُرى اليوم في مخططات دمشق الأثرية) وإهمال الحكومة أمر إغلاقها وتحريم تعاطي ما فيها قد سبّبَ لنا هذا البلاء العام والشر المستطير.
- ولكني لا أشربه.
- ولماذا؟
- عجيب! أليس بحرام؟
- حرام؟ هاهاها! ما بقي من يقول حرام وحلال.
- ماذا؟ وهل ذهب الدين؟