بالصين) وَقَالَ (كل يَوْم لَا أزداد فِيهِ علما يقربنِي إِلَى الله فَلَا بورك لي فِي طُلُوع شمس ذَلِك الْيَوْم) فَقَالَ الْفُقَهَاء: الْعلم الَّذِي يطْلب وَلَو بالصين هُوَ علم الْحَلَال وَالْحرَام، وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هُوَ علم كتاب الله الْعَزِيز، وَقَالَ المحدثون: هُوَ علم الحَدِيث، وَقَالَ الصُّوفِيَّة: هُوَ علم النَّفس، وَالصَّحِيح أَن الحَدِيث الْكَرِيم شَامِل لذَلِك كُله، إِذْ علم الْحَلَال وَالْحرَام مستنبط من الْكتاب وَالسّنة وَعلم النَّفس رَاجع إِلَى ذَلِك كُله. وَهَذَا كُله فِي الْعلم النافع إِذْ مَا من فضل ورد فِيهِ إِلَّا وَهُوَ خَاص بِهِ، فقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام (الْعلم علمَان علم فِي اللِّسَان فَقَط وَهُوَ حجَّة الله على عَبده، وَعلم فِي الْقلب وَهُوَ الْعلم النافع) . قَالَ أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ رَضِي الله عَنهُ، وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهمَا: كل علم لَا يُورث لصَاحبه خشيَة فِي قلبه وَلَا تواضعاً وَلَا نصيحة لخلقه وَلَا شَفَقَة عَلَيْهِم وَلَا امتثالاً للأوامر وَلَا اجتناباً للنواهي وَلَا حفظا للجوارح، فَهُوَ الْعلم المحجوج بِهِ العَبْد الْمَحْفُوظ فِي اللِّسَان فَقَط، إِذْ الشَّهَوَات غالبة عَلَيْهِ أطفأت نوره وأذهبت ثَمَرَته وَهُوَ الْعلم الْغَيْر النافع، وكل علم تمكن فِي الْقلب وَحصل بِهِ تَعْظِيم الرب وأورث لصَاحبه خشيَة وتواضعاً ونصيحة لِلْخلقِ وشفقة عَلَيْهِم، وامتثال الْأَوَامِر وَاجْتنَاب النواهي فَهُوَ الْعلم النافع، وَقد استعاذ عَلَيْهِ السَّلَام من علم لَا ينفع فَقَالَ (أعوذ بِاللَّه من علم لَا ينفع وقلب لَا يخشع) وَقَالَ: (مَا آتى لله عبدا علما فازداد للدنيا حبا إِلَّا ازْدَادَ من الله غَضبا وبعداً) : وَقَالَ: (أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة عَالم لَا يَنْفَعهُ علمه) وَقَالَ تَعَالَى: يَا نسَاء النَّبِي من يَأْتِ مِنْكُن بِفَاحِشَة مبينَة يُضَاعف لَهَا الْعَذَاب ضعفين} (الْأَحْزَاب: 30) الْآيَة. وَمَا ذَاك إِلَّا لكونهن رَضِي الله عَنْهُن أعلم النَّاس بِشَرِيعَتِهِ وسنته فبمخالفتهن لشريعته مَعَ علمهن بهَا وَجَبت مضاعفة الْعَذَاب وَالْخطاب لَهُنَّ وَلِجَمِيعِ الْأمة، لِأَن الْعَالم إِذا خرج عَن الطَّرِيق تبعه الْجَاهِل، واعتقد أَن ذَلِك حَلَال فَيكون هَذَا الْخَارِج قد أهلك نَفسه وَأهْلك غَيره كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام (إِن الله لَا ينْزع الْعلم من صُدُور الرِّجَال انتزاعاً وَلَكِن يقبضهُ بِقَبض الْعلمَاء حَتَّى إِذا لم يبْق عَالم اتخذ النَّاس رُؤَسَاء جُهَّالًا فسئلوا فأفتوهم بِغَيْر علم فقد ضلوا وأضلوا أَي هَلَكُوا وأهلكوا) . وَقَوله: بِغَيْر علم يَعْنِي إِمَّا عَن جهل ابْتِدَاء وَإِمَّا بعد علم، وَأفْتى بِغَيْر علم عمدا وَإِثْبَات الضلال والهلاك للأتباع يدل على أَنهم لَا يعذرُونَ بخطئهم فِي الإعتقاد وَهُوَ صَرِيح قَوْله تَعَالَى: رَبنَا هَؤُلَاءِ أضلونا فآتهم عذَابا ضعفا من النَّار} (الْأَعْرَاف: 38) يَعْنِي أَن الْكفَّار يَقُولُونَ يَوْم الْقِيَامَة: رَبنَا هَؤُلَاءِ الْأَحْبَار والرؤساء أضلونا، وَزَعَمُوا أَن مَا يدعوننا إِلَيْهِ من عبَادَة الْأَوْثَان وَاتِّبَاع الشَّهَوَات وَمُخَالفَة الْأَنْبِيَاء هُوَ الطَّرِيق الْحق فاعتقدنا ذَلِك. وَنحن لَا نعلم فاعذرنا وآتهم عذَابا ضعفا من النَّار. قَالَ تَعَالَى: لكل ضعف} (الْأَعْرَاف: 38) فسوى بَين الْمَتْبُوع وَالتَّابِع فِي مضاعفة الْعَذَاب وَلم يعْذر التَّابِع بخطئه فِي اعْتِقَاده، وَقَوْلهمْ من قلد عَالما لَقِي الله سالما مَعْنَاهُ إِذا كَانَ الْعَالم مَشْهُورا بِالْعلمِ وَالتَّقوى، فالتقوى تَمنعهُ من أَن يَقُول بَاطِلا، وَالْعلم يعرف بِهِ مَا يَقُول، وَإِن لم يكن كَذَلِك، فَلَا يجوز استفتاؤه وَلَا تَقْلِيده ومقلده مغرور لَاحق لَهُ الْوَعيد الْمَذْكُور. وَابْنُ اللّعان إرْثُهُ بأُمِّهِ مَا كَانَ وَالسُّدُسُ أقْصى سَهْمِهِ (و) لَا يَرث ملاعن من ملاعنة التعنت بعده فَإِن مَاتَ قبل التعانها ورثهَا، وَكَذَا لَا تَرث