(خطْبَة الْكتاب)
الْحَمد لله الْوَاحِد الْأَحَد ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام، الْمُبين لِعِبَادِهِ على لِسَان رسله شرائع الْأَحْكَام من وَاجِب وحلال وَحرَام، وكلفهم بِالْوُقُوفِ عِنْد حُدُودهَا وَاتِّبَاع أوامرها وَاجْتنَاب نواهيها تكليفاً لَا انْفِصَال لَهُم عَنهُ وَلَا انفصام، وَأمر رسله وورثتهم من خلقه بتنفيذها بَين عباده ليرتفع الظُّلم وَالْفساد والهرج والعناد تنفيذاً لَا يشوبه حيف فِي إِقَامَة الْحق بَين ذَوي الْخِصَام، وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد قطب دَائِرَة الكونين الْمُؤَيد بِالْوَحْي والإلهام، وعَلى آله وَأَصْحَابه الَّذين مهدوا للدّين من بعده فَاسْتَنَارَ الْحق واستقام وَقَامُوا بالشريعة المطهرة أحسن قيام. وَبعد: فَيَقُول أفقر العبيد إِلَى الله الْغَنِيّ بِهِ عَمَّن سواهُ الراجي عَفوه فِي سره ونجواه عَليّ بن عبد السَّلَام التسولي أصلا ومنشأً، الفاسي دَارا وقراراً: لما كَانَت تحفة الْحُكَّام من أجل مَا ألف فِي علم الوثائق والإبرام لِسَلَامَةِ نظمها ووجازة لَفظهَا، ولكونها قد اجْتمع فِيهَا مَا افترق فِي غَيرهَا ومنّ الله علينا بتدريسها وإقرائها وإبراز خَفِي مَعَانِيهَا وَذكر فروع تناسبها ونكت تقيد شواردها وَتحل مقفلها، طلب مني الْكثير من طلبة الْوَقْت أَن أَضَع لَهُم شرحاً عَلَيْهَا يشفي الغليل ويكمل المرام، ويكشف من خَفِي مَعَانِيهَا مَا وَرَاء اللثام ويحتوي على إِعْرَاب كل ألفاظها ليتدرب المبتدىء بِعلم النَّحْو الَّذِي عَلَيْهِ الْمدَار فِي الْفَهم والإفهام، وعَلى بَيَان منطوقها وَمَفْهُوم الْكَلَام، وعَلى إبراز فرائد الْفَوَائِد وفروع تناسب الْمقَام مُبينًا فِيهِ مَا بِهِ الْعَمَل عِنْد الْمُتَأَخِّرين من قُضَاة الْعدْل وَالْأَئِمَّة الْكِرَام، مصلحاً فِيهِ مَا يحْتَاج إِلَى الْإِصْلَاح من أَلْفَاظه المخلة بالنظام، شارحاً فِيهِ غَالب وثائق الْأَبْوَاب وَإِن أدّى ذَلِك إِلَى الإطناب ليتدرب بذلك من لم يتَقَدَّم لَهُ مَسِيس بالفتوى من الْأَنَام ويهتدي إِلَى كَيْفيَّة تَنْزِيل الْفِقْه على وثائق الْأَحْكَام، فأجبتهم إِلَى ذَلِك بعد التَّوَقُّف والإحجام،