منهم. فإنهم أول من جعل حب الأرز في الموازين. وأربع حبات أرز، حبة شعير. ولا نعرف ذاك في شيء من البلدان إلّا بلدهم.
ومن فضل الكوفة على البصرة: ان ملوك العرب والعجم طافوا الآفاق واختاروا البلاد فوقع اختيارهم على الكوفة وما يقرب منها. من ذلك الأنبار نزلها دارا بن دارا وجذيمة الأبرش [14 ب] . ومنها بابل نزلها بخت نصر ومن كان قبله وبعده من الملوك. ومنها مدائن كسرى نزلها أردشير بن بابك ومن بعده من ملوك فارس إلى يزدجرد. ومنها الخورنق نزله بهرام جور والنعمان بن الشقيقة وغيره من ملوك العرب. ومنها الحيرة نزلها عمرو بن عدي وولده بعده إلى عمرو وقابوس ابني المنذر، والنعمان بن المنذر، وإياس بن قبيصة الطائي حتى جاء الله بالإسلام.
وإنما كانت البصرة منازل ينزلها الجند مثل منجشان صاحب المنجشانية ومن أشبهه من السفلة والرعاع.
وهم الذين شخصوا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقال الأحنف يا أمير المؤمنين. إن إخواننا من أهل مصر نزلوا منازل فرعون، وإن إخواننا من أهل الشام نزلوا في منازل ملوك الروم، وإن إخواننا من أهل الكوفة نزلوا بين حيرة النعمان ومدائن كسرى في مثل حولاء الناقة أو حدقة البعير الغاسقة في جنان خصبة وأنهار عذبة تأتيهم ما يأتيهم من رزقهم غريضا غضا. وإنّا نزلنا في سبخة هشاشة نشاشة زعفة لا يجفّ ثراها ولا ينبت مرعاها عسفتها الفلاة من خلفها وخنقها البحر الأجاج من أمامها، يأتيها ما أتاها في مثل حلقوم النعامة. فلا يزيد من الفخر عليهم بطيب المنازل إلّا بما أقرّ به صاحبهم. ولم يزل أهل البصرة يشربون الماء المالح حتى وليها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، فحفر لهم نهرا من البطيحة فهم يسمونه نهر ابن عمر، وفيه يقول بشار في شعر طويل:
لا نشرب الماء إلّا قال قائلنا ... نعم الأمير، فداه السمع والبصر
روى من العذب ها مات مصرّدة ... قد كان أزرى بهنّ الملح والكدر