وقال شاعرنا يصف الكوفة وطيب هوائها وأن الشام ارتفعت عنها والبصرة سفلت منها:

سفلت عن برد أرض ... زادها البرد عذابا

وعلت عن حر أرض ... تلهب النار التهابا

مزجت حرا ببرد ... فصفا العيش وطابا

ولم يزل عمال العراق ينزلون الكوفة يرونها [15 أ] عذب ماء وأصفى هواء وأطيب ترابا. وكل الأرض يجعلها الله للمسلمين طهورا. ومسجدا إلّا أرض البصرة فإنه ليس يستطيع أحد أن يتيمم ولا يصلي على أرضها لقذرها وفسادها وكثرة سمارها. وما نزلها من أمراء العراق أحد إلّا الحجاج مديدة ثم تحول إلى واسط. ومسلمة بن عبد الملك أياما حين قتل يزيد بن الأسلت. فأما الكوفة فأكثر الولاة كانوا ينزلونها ويقيمون بها ولا يمضون إلى البصرة إلّا لحادثة تحدث، أو فتق يحذر. كان خالد بن عبد الله القسري يسميها الذفراء. وكذلك يوسف بن عمر.

ولما ولى يزيد بن عمر بن هبيرة العراق، لم يختر شيئا على الكوفة وبنى عند قنطرتا مدينة وسماها الهبيرة وهي المعروفة بقصر ابن هبيرة. ولم يزل مقيما بالكوفة حتى جاءت الدولة الهاشمية فتحول إلى واسط.

ومن الكوفة ظهرت دولة بني العباس وفيها كان وزيرهم وبها عقد لهم الملك.

والكوفة بمنزلة العين من الرأس، والبصرة بمنزلة الكراع من الأديم. ثم ترك المهدي الكوفة وبنى القصر الأبيض بالحيرة وهو الذي كان النعمان بن المنذر ينزله، وبنى بها قصر أبي الخصيب على طرف النجف وفيه يقول الشاعر:

يا دار غيّر رسمها ... مرّ الشمال مع الجنوب

بين الخورنق والسدير ... فبطن قصر أبي الخصيب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015