صادرة عن صميم قلوبهم. ولما كان كلامهم يخالف عقيدتهم؛ فقد كشف الله زيف هذا الادعاء، وأكد الرسالة تأكيدًا قويًّا بهذا الرد الحاسم {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (المنافقون: 1) فالمنافقون كاذبون في ادعاء أن هذا الخبر مطابق لاعتقادهم، والتوكيد هنا في مقام الرد على المنافقين وفضح أساليبهم وتعريتهم أمام المجتمع الإسلامي. وقد يكون الداعي إلى التوكيد أيضًا تهيئة النكرة للابتداء بها، وخاصة مع "إن" فإذا كانت النكرة موصوفة فهي مع إن أحسن موقعًا، كقول الشاعر:
إن دهرًا يلف شملي بسعدى ... لزمان يهم بالإحسان
كما يأتي التوكيد اتباعًا للاستعمال الوارد عن العرب، كقول الشاعر:
إن محلًّا وإن مرتحلا ... وإن في السفر إذا مضوا مهلا
ويأتي الحديث بعد عن التجوز في الإسناد عقب حديثنا عن مسألتي أحوال الإسناد الخبري، المتمثلتين في أغراض الخبر، وأضرب الخبر، فنقول:
إن الإسناد كما تقدم معناه: بناء الجملة أو تكوين العبارة أو ضم الكلمة إلى الكلمة؛ ليتكون نظمًا معبرًا وكلامًا مفيدًا وتركيبًا جيدًا. وهذا الإسناد لا يجري دائمًا على أسلوب الحقيقة، بل قد يتم عن طريق المجاز؛ بمعنى أن يتجوز المتكلم في بناء جمله أو تكوين عباراته، وقد يتم عن طريق الحقيقة، فمن الأبنية الحقيقية قولك: جاء محمد. ضرب زيد عمرًا. ربح علي في تجارته. حمينا نساءنا. حيث تجد الفعل قد أسند إلى فاعله الحقيقي الذي فعله وقام به. وانظر إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} (لقمان: 34) وقوله -عز وجل: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ} (آل عمران: 26) تجد أن الأفعال: