وقد يكون الداعي إلى التوكيد: الدلالة على كمال عناية الله وإكرامه للمخاطب، مثل قوله تعالى: {يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} (يس: 1 - 3) أو الدلالة على كمال غضبه وسخطه، كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} (البقرة: 102) فالمتكلم هنا هو المولى -عز وجل- وهو محيط بشئون خلقه وأقدارهم في الهداية والضلال، فمنهم من يرقى إلى منازل القرب ويحظى بالعناية الربانية، ومنهم من يهوي في قرار سحيق إلى جهنم وبئس المصير.

وقد يكون الداعي إلى التوكيد غرابة الخبر في ذاته، فيلجأ المتكلم إلى التوكيد ليزيل من نفس السامع ما قد يعلق بها من وحشة أو استغراب، ويهيئه لقبول الخبر والاطمئنان به، كقوله تعالى يخاطب موسى -عليه السلام- حين أوجس في نفسه خيفة من أفاعيل السحرة: {قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} (طه: 68) فموسى -عليه السلام- واثق تمام الثقة في وعد ربه بالإظهار والتأييد، ولا يخالجه في ذلك أدنى شك، ولكنه لما رأى كيد السحرة أحس في نفسه بشيء من الدهشة والخوف، فكان الرد الإلهي {إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} مؤكدًا بإن وضمير الفصل واسمية الجملة، وذلك ليزيل من نفسه وحشة الشعور في هذا الموقف العصيب. ومنه قوله تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (القصص: 30).

وقد يكون الداعي إلى التوكيد الرد على غير المخاطب، كقوله تعالى في خطاب نبيه -صلى الله عليه وسلم- ردًّا على المنافقين الذين ادعوا شهادتهم برسالته كذبًا {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (المنافقون: 1) فقد جاء قول المنافقين: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} مؤكدًا لأنهم يشعرون في قرارة أنفسهم أن الرسول لا يثق فيهم، ولا يطئمن إلى كلامهم، ولذلك أكدوا كلامهم إظهارًا لقوة اعتقادهم، وأن هذه الشهادة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015