سابع هذه الوجوه في رد القائلين بالصرفة: أن العرب قد تفننوا واستفرغوا وسعهم في إيذاء النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى تآمروا على قتله، وأرسلوا إليه الأذى في مهاجره، فشبت الحرب بينهم وبينه في خمس وسبعين موقعة، منها سبع وعشرون غزوة، وثمان وأربعون سرية، فهل يقول عاقل: إنهم كانوا في تشاغل عما كان يتحداهم به، غير معنيين، ولا آبهين له، أو يقول: إنهم -أو واحد منهم- حال المعارضة بمقتضى دافع الصرفة؟ ثم ألم يكف القائلين بالصرفة -قديمًا وحديثًا أعني بهم السابقين وأذنابهم من المعاصرين- شهادة أعداء القرآن أنفسهم في أوقات تخليهم عن عنادهم، فتلك الشهادة التي خرجت من فم الوليد، والفضل ما شهدت به الأعداء.

ونخلص من كل هذا إلى أنه، وبدراسة الأسباب التي تكون الجملة بها بليغة، وبدراسة أنواع الأساليب الموجز منها والمطنب، وبدراسة أبواب التشبيه والاستعارة والكناية، وأبواب البديع وغير ذلك من الوجوه والألوان؛ نعرف كيف ارتفع الأسلوب القرآني إلى مستوى الإعجاز، وليس بعجيب أن يكون الهدف الأول والأسمى من دراسة علوم البلاغة الوصول إلى معرفة إعجاز القرآن، فإن علوم العربية نشأت أصلًا لتخدم هذا الكتاب المبين، وتحفظه من التحريف، وتظهر فضله على جميع الكلام الآخر. فالبلاغة من هذه الجهة لها غاية دينية تتصل بالدين والعقيدة، وهذه الغاية هي التي رأيناها عند أوائل الكاتبين في هذا العلم، بل إن كلامهم في إعجاز القرآن كان هو الدعامة التي قام عليها هذا العلم.

ثاني فوائد تعلم البلاغة وقواعدها: هو استجلاء ما في القرآن الكريم من معان وأحكام وأخبار وقضايا، فلا بد للناظر في القرآن من الإلمام بقواعد هذا العلم لمعرفة ما يدل عليه التكرار، وما ينطوي عليه الحذف، وما يفيده هذا التأويل، وغير ذلك مما يتصل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015