الفكري؛ يهدف إلى نقل الإحساس بالجمال الفني إلى الآخرين، وإحداث جو من المشاركة الوجدانية بين المنشئ والمتلقي، وبقدر تأثيره في نفوس السامعين وإمتاعه لعواطفهم، وإقناعه لعقولهم يكون نجاحه في تحقيق غرضه.
بقي أن تعرف أن بلاغة الكلام لا بد فيها من فصاحة كلماته، وفصاحته على وجه العموم، وذلك بأن تسلم كلماته من العيوب المخلة بفصاحته، وهي: تنافر الحروف، ومخالفة القياس اللغوي والغرابة، كما لا بد أن يسلم الكلام أيضًا في مجموعه من تنافر الكلمات، وضعف التأليف، والتعقيد اللفظي والمعنوي، وبذلك يكون الكلام بليغًا لمطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته؛ أي باشتماله على الأمرين معًا، وبذلك يخرج كل كلام غير فصيح من البلاغة، وإن طابق مقتضى الحال، وكل بليغ فصيح، وليس كل فصيح بليغًا لجواز أن يكون كلام فصيح غير مطابق لمقتضى الحال. ومعنى هذا أن الفصاحة شرط في البلاغة، فالفصاحة أعم، والبلاغة أخص، ومعلوم أن ثبوت الأخص يستلزم ثبوت الأعم من غير عكس، كما أن نفي الأعم يستلزم نفي الأخص، فإذا انتفت فصاحة الكلام انتفت بلاغته تبعًا لذلك، فثبت أن كل بليغ فصيح، وليس كل فصيح بليغًا.
ومطابقة الكلام لمقتضى الحال هو ما يسميه عبد القاهر في (الدلائل) النظم؛ وهو توخي معاني النحو فيما بين الكلم على حسب الأغراض التي يصاغ لها الكلام. والمقصود بمعاني النحو الخصوصيات التي هي مقتضى الحال من التقديم والتأخير والتعريف والتنكير والحذف والذكر، وغير ذلك. إن النظم أو العلاقات بين الكلمات في التراكيب هي مناط بلاغة الكلام عند عبد القاهر، وهو سر الحسن والروعة في الكلام؛ لأن جمال الصياغة هو محك القدرة ودليل البراعة، وأمارة الحذق والمهارة، وهو الذي يتفاضل فيه الفحول، وتختلف به أقدار الكلام؛