سورة مكية: {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ * فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا * فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} (الحاقة: 1 - 8).
إن الآيات الكريمة كما ذكر الدكتور إبراهيم التلب في كتابه (دراسات في علم المعاني) تتحدث عن مصير المكذبين بيوم الدين، وما ينتظرهم من العذاب الأليم في الدنيا والآخرة، تقريرًا لسنن الله الكونية في إهلاك أهل الكفر والعصيان، وانتصار أهل الهدى والإيمان لأن الجزاء من جنس العمل، فأسلوب القرآن في هذا الموقف مطابق لمقتضيات أحوال السامعين من أرباب الضلال وشياطين الكفر؛ حيث اتسم بالقوة والإثارة، والسرعة في الإيقاع مع الحزم، مما أكسبه دقة التعبير وقوة التأثير. أما إذا اقتضى المقام أسلوبًا هادئًا في مجال الإقناع والدعوة إلى التأمل والتدبر، فإننا نرى أسلوب الذكر الحكيم يتسم بالهدوء والرفق والإثارة في سبيل تحقيق الغرض من الآيات الكريمة.
واقرأ معي مثلًا قول الحق -تبارك وتعالى- في سورة الرعد، وهي مدنية: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ * وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (الرعد: 2 - 4).