بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثالث
(ما يعنيه مصطلح البلاغة - علم المعاني "أحوال الإسناد الخبري")
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد خلق الله أجمعين، سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن سلك طريقه إلى يوم الدين، وبعد:
فنقول -وبالله التوفيق-:
إن البلاغة تختلف معناها باختلاف موصوفها، وهي تقع صفة للكلام والمتكلم، ولا يوصف بها المفرد، يقال: كلام بليغ، ومتكلم بليغ، ولا يقال: كلمة بليغة. وإن قيل فيها: فصيحة. ولقد حظيت البلاغة العربية باهتمام القدماء من النقاد والأدباء والبلاغيين، فأدلى هؤلاء بآرائهم في معنى البلاغة على نحو ما أورده الجاحظ في كتابه (البيان والتبيين). ومن هذه التعريفات أن البلاغة معرفة الفصل من الوصل، وما قيل من أنها الإيجاز في غير عجز، والإطناب في غير خَطَل. والخطل في اللغة: الكلام الفاسد الكثير المضطرب. ومن أنها تصحيح الأقسام واختيار الكلام، ومن أنها وضوح الدلالة، وانتهاز الفرصة، وحسن الإشارة، ومن أنها قول تضطر العقول إلى فهمه بأيسر العبارة، ومن أنها إجاعة اللفظ وإشباع المعنى، ومن أنها حسن العبارة مع صحة الدلالة، ومن أنها دلالة أول الكلام على آخره، وارتباط آخره بأوله، ومن أنها إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ.
وهذه الأقوال في تعريف البلاغة ليست تعريفات جامعة مانعة، بل هي أوصاف للبلاغة، وكل تعريف منها يتناول جانبًا من جوانب البلاغة ومقصدًا من مقاصدها، وهدفًا من أهدافها، وليس فيها -على كثرتها- تعريف يمكن الاقتصار عليه والاكتفاء به في توضيح معنى البلاغة، ولعل أقرب التعريفات إلى تعريف المتأخرين للبلاغة هو قول أبي هلال العسكري: "البلاغة كل ما تبلغ به المعنى قلب السامع، فتمكنه في نفسه كتمكنه في نفسك، مع صورة مقبولة ومعرض حسن". هكذا في (الصناعتين).