وليس منك، ورضا جميع الناس شيء لا تناله، وقد كان يقال: رضا الناس شيء لا ينال"، كذا في (البيان والتبيين) للجاحظ.
وقد امتدحوا الإيجاز كثيرا فقالوا: البلاغة إجاعة اللفظ وإشباع المعنى، البلاغة لمحةٌ دالة، البلاغة كلمةٌ تكشف عن البقية، ولعل السبب في هذا يرجع إلى أمية العرب، وإلى أنهم أمة صافية الذهن دقيقة الحس سريعة الفهم، والعربي تكفيه الإشارة وتغنيه اللمحة، وغير العربي يحتاج إلى الإطالة وإشباع القول، وبهذا علل الجاحظ إيجاز القرآن الكريم عند خطاب العرب والأعراب، والبسط والإطالة عند خطاب بني إسرائيل، يراجع في ذلك (الحيوان) للجاحظ.
وبهذا يتضح لك أن للإيجاز مقامات تقتضيه ومواضع تلائمه، كالحكم والأمثال، كما أن للإطناب مقامات تقتضيه ومواضع تلائمه، كالمدح والفخر والوعظ، وما يحسن فيه الإيجاز لا يحسن فيه الإطناب، وكذلك ما يحسن فيه الإطناب لا يحسن فيه الإيجاز، وعبد القاهر وإن لم يعقد في كتابه (الدلائل) بابًا للإيجاز والإطناب والمساواة على طريقة البلاغيين بعده، إلا أن ذلك لا يمنع من القول بأنه الذي وضع اللبنات الأولى والأساس الأول لهذا الباب، فقد كرر القول عن الإيجاز والإطناب، كما عقد لإيجاز الحذف فصلًا مستقلًّا، وأشار في غير ما موضع لجمال الإيجاز، أما الإطناب فقد عرض لصور منه كالتكرار الذي تكلم عنه في باب التأكيد والإيضاح، وفي مواضع أخرى متفرقة، كما تحدّث عن البيان بعد الإبهام، وهذا يجعلنا نؤكد على أنه لم يغفل مكانة هذا الباب.
ونبدأ بالإيجاز الذي عرفه البلاغيون: بأنه اندراج المعاني المتكاثرة تحت اللفظ القليل، أو عرض المعاني الكثيرة في ألفاظٍ قليلة مع الإبانة والإفصاح، ليسهل تعلقها بالذهن وتذكرها عند الحاجة إليها في المناسبات المختلفة،