بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الحادي والعشرون
(مبحث: الإيجاز، والمساواة، والإطناب)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فأقول -وبالله التوفيق-:
إنه من المعلوم أن لكل مقامٍ مقالا، والبلاغة -كما عرّفها البلاغيون- مطابقةُ الكلام لمقتضى الحال، فالحال قد تقتضي الإيجاز في القول وطي الكلمات، وعندئذ تكون البلاغة في أن يُوجز المتكلم ويختصر كلامه، وقد تقتضي الإطناب وإطالة القول، وعندئذ تكون البلاغة في الإسهاب وإشباع القول وإطالة الكلام؛ ولذلك قال أعرابية عندما سُئل عن البلاغة: البلاغة الإيجاز في غير عجز والإطناب في غير خطل، وسأل معاوية سحار العبدي: "ما تعدون البلاغة فيكم؟ فقال سُحار: الإيجاز، قال معاوية: وما الإيجاز؟ فأجاب: أن تجيب فلا تبطئ وتقول فلا تخطئ". كذا ذكره الجاحظ في (البيان والتبيين).
وقال عبد الله بن المقفع: "البلاغةُ اسم جامع لمعانٍ تجري في وجوه كثيرة؛ فمنها ما يكون في السكوت، ومنها ما يكون في الاستماع، ومنها ما يكون في الإشارة، ومنها ما يكون في الاحتجاج، ومنها ما يكون جوابًا، ومنها ما يكون شعرًا، ومنها ما يكون سجعًا وخطبًا، ومنها ما يكون رسائل؛ فعامة ما يكون في هذه الأبواب الوحي فيها والإشارة إلى المعنى والإيجاز هو البلاغة، فأما الخطب بين السماطين وفي إصلاح ذات البين فالإكثار في غير خطَل والإطالة في غير إملال، وليكن في صدر كلامك دليل على حاجتك، كما أن خير أبيات الشعر البيت الذي إذا سمعت صدره عرفت قافيته، فقيل له: فإن ملّ السامع الإطالة التي ذكرت أنها حق ذلك الموقف؟ قال: إذا أعطيت كل مقام حقه، وقمت بالذي يجب من سياسة ذلك المقام، وأرضيت من يعرف حقوق الكلام- فلا تهتم لما فاتك من رضا الحاسد والعدو؛ فإنه لا يُرضيهما شيء، وأما الجاهل فلست منه