فقد أفاد التوكيد بوجه خفي دقيق، مرجعه إلى انبعاث السؤال من الجملة الأولى، وإجابة الجملة الثانية عنه. وقد أجمل القزويني سرّ بلاغة هذا الأسلوب في قوله: "وتنزيل السؤال بالفحوى منزلة الواقع لا يصار إليه إلا لجهات لطيفة؛ إما لتنبيه السامع على موقعه، أو لإغنائه أن يسأل، أو لئلا يُسمع منه شيء، أو لئلا ينقطع كلامك بكلامه، أو للقصد إلى تكثير المعنى بتقليل اللفظ، وهو تقدير السؤال وترك العاطف أو لغير ذلك مما ينخرط في هذا السلك". انتهى. هذا، ومن الاستئناف ما يأتي بإعادة اسم ما استؤنف عنه، كقولك: أحسنتَ إلى زيد، زيدٌ حقيق بالإحسان، ومنه ما يُبنى على صفته كقولك: أحسنتُ إلى زيد، صديقك القديم أهلٌ لذلك، وهذا أبلغ لانطوائه على بيان سبب الإحسان، وقد تأتي الجملةُ المستأنفة -أي جملة الجواب- بلا حذف شيء منها، كما في قول المتنبي:

وما عفَت الرياح له محلا ... عفاه من حدا بهم وساق

فلما نفى المتنبي العفاء عن الرياح، كان مظِنة أن يُسأل عن الفاعل: من هو؟ أو ما هو؟ فأجاب عن ذلك: "عفاه من حدا بهم وساق"، وقد يحذف صدر الاستئناف لقيام قرينة عليه، ويكثر هذا عند ذكر الشعراء للديار والأطلال، وكذا عند المدح أو الفخر أو الرثاء أو الهجاء؛ حيث يقطع الكلام ويستأنف معنى جديد، ومن ذلك قول الشاعر:

اعتاد قلبكَ مِن ليلى عوائده ... وهاج أهواءك المكنونة الطلل

ربعٌ قواءٌ أذاع المعصرات به ... وكل حيرانَ سارٍ ماؤه خضل

المعصرات: يعني السحاب، أذاع به: أي ذهبَ، والخضل: الكثير، والقواء:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015