ونبدأ بكمال الاتصال. هو أن تتفق الجملتان في الإنشائية أو الخبرية -لفظًا ومعنى أو معنى فقط- ويكون بينهما من الاتصال والاتحاد والتلاحم ما يمنع العطف بالواو؛ لأن العطف وصلٌ خارجي، وهذه الجمل قد صار ما بينها من التلاحم والاتصال والترابط أقوى وأشد من الربط الخارجي، وترجع قوة اتصال تلك الجمل وشدة ترابطها إلى أمور ثلاثة:

الأول: أن تكون الجملة الثانية مؤكدة للأولى تأكيدًا لفظيًّا أو معنويًّا، انظر إلى قول الله تعالى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} (الطارق: 17) تجد أن الجملة الثانية {أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} توافق الجملة الأولى في اللفظ والمعنى، وأنها توكيد لفظي لها؛ ولذا صارت الصلة قوية بين الجملتين، فلا تحتاج إلى ربط بالواو؛ لأن التوكيد والمؤكد كالشيء الواحد، ومن ثم ترك العطف لعدم صحة عطف الشيء على نفسه، وتأمل قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (البقرة: 2) تجد أن الجملة الأولى {ذَلِكَ الْكِتَابُ} أفادت أن القرآن الكريم هو الكتاب الكامل، الذي بلغ الغاية القصوى في كمال الهداية، وترجع هذه الإفادة إلى تعريف الطرفين؛ تعريف المسند إليه باسم الإشارة الدال على البعيد {ذَلِكَ}، إشارة إلى بعد المنزلة وعلو المكانة، وتعريف المسند بالألف واللام {الْكِتَابُ}، وجملة {لَا رَيْبَ فِيهِ} تفيد نفي الريب عنه، وأنه لا يتطرق إليه شك، وهذا تقريرٌ وتأكيد لمعنى الجملة الأولى؛ إذ يلزم من بلوغ القرآن الكريم درجة الكمال ألا يكون محلًّا للريب والشك، فجاءت جملة {لَا رَيْبَ فِيهِ} مقررةً لهذا المعنى ومؤكِّدة له.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015