أمره، وواضح أن القصر في الآية قصر صفة الإثم أو العقاب على الذين يُبدلون قصر صفة على موصوف قصرًا حقيقيًا تحقيقيًّا.
وتأمل قول الله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} (الرعد: 7) تجد أنه قصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- على صفة الإنذار، لا يتعداها إلى الإتيان بالآيات، فهو قصر إفراد؛ إذ يعتقد الكافرون أنه -عليه الصلاة والسلام- يجمع بين صفتي الإنذار والإتيان، وقد ذكر عبد القاهر "إنما" لا تستعمل إلا في قصر القلب، والصواب -ما ذكرنا- وهي أنها تستعمل في كل أنواع القصر -كما رأينا وكما هو عليه جمهور البلاغيين.
الطريق الرابع من طرق القصر: طريق التقديم:
وهو بابٌ واسع من أبواب البلاغة، تكمن وراءه العديد من المزايا والأسرار البلاغية، ومرادنا هنا أن نبرز دلالة التقديم على القصر؛ ففي قولك: ما أنا قلت هذا الشعر، دل تقديم المسند إليه وإيلاؤه أداة النفي على القصر؛ أي نفي قول الشعر عن المسند إليه المقدم، وإثباته لغيره، ومن ذلك قول المتنبي:
وما أنا أسقمت جسمي به ... ولا أنا أضرمت في القلب نارا
وقوله أيضًا:
وأما أنا وحدي قلت ذا الشعر كله ... ولكن لشعري فيك من نفسه شعر
فتقديم المسند إليه المنفي على الخبر الفعلي، يفيد غالبًا الاختصاص؛ ولذا كان من الخطأ أن نقول: ما أنا قلت هذا ولا قاله أحدٌ غيري، أو تقول: ما أنا قلت شعرًا، أو ما أنا أكرمت إلا زيدًا، وكذا تقديم المسند إليه المثبت على الخبر الفعلي