هذا، والمقصور عليه بـ"إنما" هو المؤخر دائمًا، تقول في قصر العلم على محمد: إنما العالم محمد، وفي قصره على العلم: إنما محمد عالم، وتأتي "إنما" لإفادة كل أنواع القصر، فهي تفيد القصر الحقيقي بقسميه التحقيقي والادعائي، كما تفيد القصر الإضافي بأنواعه ثلاثة: القلب والإفراد والتعيين، اقرأ معي قول الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة: 91) تجد إرادة الشيطان قد قُصرت بـ"إنما" على إيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين في الخمر والميسر، وصدهم عن الذكر والصلاة، فهو قصر صفة على موصوف قصرًا حقيقيًّا غير تحقيقي؛ لأنه مبني على المبالغة؛ إذ الشيطان يسلك كل طريق لكي يبعد العبد عن طاعة ربه.
ولما كانت هذه الأمور -وهي الخمر والميسر والصلاة والذكر- من الخطورة بمكان، فقد قصرت إرادة الشيطان عليها، وكأن ما عداها لا يُعتد به إذا ما قُورن بها، ولما كانت "إنما" تستعمل في الأمور المعلومة التي لا تُنكر ولا تُدفع فقد أوثرت بالتعبير هنا لتنبئ بأن هذا الأمر من الأمور المعلومة، التي لا يُنكرها أحد ولا يدفعها مدافع، ومثل ذلك قول الله تعالى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة: 169) حيث قصر ما يأمر به الشيطان على السوء والفحشاء والقول على الله بغير علم قصرًا حقيقيًّا، وقوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر: 28)؛ حيث قصر خشية الله على العلماء قصرًا حقيقيًا غير تحقيقي، وقوله: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 181)؛ إذ أراد أنّ من بدل الوصية وحرّفها وغيّر حكمها فالإثم واقع عليه وحده، والله -سبحانه وتعالى- مطّلع عليه وكاشف