تقول: ما القادم إلا زيد، وما أنت إلا مصيب، فتفيد قصر الصفة على الموصوف في الأول والموصوف على الصفة في الثاني، ويُستخدم هذا الطريق فيما ينكره المخاطب ويدفعه، أو فيما يشك فيه ويرتاب، يقول عبد القاهر: "وأما الخبر بالنفي والإثبات: ما هذا إلا كذا، وإن هو إلا كذا، فيكون للأمر ينكره المخاطب ويشك فيه، فإذا قلت: ما هو إلا مصيب، أو ما هو إلا مخطئ، قلته لمن يدفع أن يكون الأمر على ما قلته، وإذا رأيت شخصًا من بعيد فقلت: ما هو إلا زيد، لم تقله إلا وصاحبك يتوهم أنه ليس بزيد، وأنه إنسان آخر، ويجِدّ في الإنكار أن يكون كذلك". انتهى من كلام عبد القاهر في (دلائل الإعجاز).
تأمل مع ما سبق قول الله تعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} (الأنعام: 50) تجده قد قصر الاتباع على الوحي لا يتجاوزه إلى غيره، فهو قصر حقيقي، وقد أوثر التعبير بالنفي والاستثناء؛ إذ المخاطبون يُنكرون ذلك ويدفعونه، فهم يعتقدون أنه شاعر أو ساحر أو كاهن، لا يُقرون بالوحي، بل يقولون: {أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}، فلما كان المشركون منكرين أن يكون الرسول -عليه الصلاة والسلام- متبعًا لوحي يوحى إليه ويجحدون ذلك ويدفعونه، جاء القصر بـ"إن وإلا" ليبدد هذا الإنكار ويدفع ذلك الجحود. ومثله قول الله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} (آل عمران: 62) وقوله عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}