ونبدأ بأقسام القصر باعتبار عموم الاختصاص لكل ما عدا المقصور عليه وعدمه، وهو بهذا الاعتبار أو باعتبار حال المتكلم من الاختصاص، ينقسم إلى قسمين: قصرٌ حقيقي وقصرٌ إضافي؛ فالقصر الحقيقي ما كان غرض المتكلم منه أن يختص المقصور بالمقصور عليه؛ بحيث لا يتعداه إلى غيره أصلًا، وهذا يعني أن المنفي عنه يكون عامًّا فالمقصور مختص بالمقصور عليه منفي عن كل ما عداه، كما في قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} (الأنعام: 59) ففي الآية طريقان من طرق القصر؛ الأول: التقديم {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} حيث قدم المتعلق وهو هنا الظرف، وهو في موقع الخبر، والثاني: النفي والاستثناء {لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} فمفاتح الغيب عنده وليست عند غيره، وعلمها مقصور عليه تعالى، منفي عن كل ما عداه، وتكرار القصر أفاد تأكيد هذه الحقيقة وتقريرها؛ وهي أن العلم بالغيب مختصّ به تعالى لا يتعداه إلى أحد من خلقه.
ومنه قولنا: ما خاتم الأنبياء إلا محمد، فالمراد أن ختم النبوة مقصور على محمد -صلى الله عليه وسلم- لا يتعداه إلى غيره من الرسل، ومنه كذلك قوله عز وجل: {قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} (آل عمران: 64) فالمراد قصر العبادة على الله تعالى؛ بحيث لا تتعداه إلى غيره مطلقًا، هذا عن القصر الحقيقي، أما القصر الإضافي فهو أن يختص المقصور بالمقصور عليه بالنسبة إلى شيء معين؛ أي بالإضافة إليه، بحيث لا يتجاوزه إلى ذلك المعين، كما في قولنا مثلا: زهير شاعر لا كاتب، فالمراد قصر زهير على صفة الشعر؛ بحيث لا يتجاوزها إلى