فالقصر -كما عرّفوه- تخصيص شيء بشيء بطريقٍ مخصوص، والشيء الأول هو المقصور، والثاني هو المقصور عليه، ومعنى اختصاص المقصور بالمقصور عليه ألا يتجاوزه ويتعداه إلى غيره، ففي قولنا: ما شاعر إلا امرؤ القيس، قصر للشاعرية على امرئ القيس؛ بحيث لا تتعداه إلى غيره، وهذا الغير الذي انتفت عنه صفة الشعر إن كان عامًّا فالقصر حقيقيّ، وإن كان معينًا فالقصر إضافي، والعام إن كان مطابقًا للواقع الخارجي فالقصر حقيقي تحقيقي، وإن كان مبنيًّا على الادعاء والمبالغة فهو حقيقي ادعائي، ثم القصر الإضافي يُنظر فيه إلى حال المخاطب؛ فهو إما أن يكون مترددًا في إثبات المقصور للمقصور عليه ونفيه عن المنفي عنه، وإما أن يكون معتقدًا الشركة؛ أي اشتراك المنفي عنه والمقصور عليه في المقصور، وإما أن يعتقد العكس؛ أي إثبات المقصور للمنفي عنه ونفيه عن المقصور عليه.
فالأول قصر التعيين والثاني يسمى قصر الإفراد والثالث يسمى قصر القلب، وبالنظر إلى طرق القصر - وبالنظر إلى طرفي القصر أي المقصور والمقصور عليه، لابد أن يكون أحدهما موصوفًا والآخر صفة؛ ولذا فالقصر إما أن يكون قصر صفة على موصوف باعتبار الطرفين، أو قصر موصوف على صفة. هذا وليست طرق القصر سواء في الدلالة عليه، بل بينها فروق دقيقة، تحتاج من الدارس لكي يقف عليها إلى تأمل واعٍ ونظر دقيق، ثم إن تحديد المقصور والمقصور عليه ليس بالشيء الهيّن، بل يحتاج من الدارس أيضًا إلى نظر وتأمل في أسلوب القصر، فمثلًا قولك: إنما ضرب محمد زيدًا، يفيد قصر الضرب الواقع من محمد على زيد، وقولك: إنما ضرب زيدا محمد، يفيد قصر الضرب الواقع على زيد، على فاعله محمد، وبينهما فرق كبير.