الْخَالِقِينَ} (الصافات: 125) فالاستفهام في كل ذلك للتوبيخ على أمر واقع، والمراد: ما كان ينبغي أن يقع منكم ما وقع.
والثاني: وهو الإنكار التكذيبي ويسمى بالإنكار الإبطالي، إذا كان التكذيب في الماضي وكان الاستفهام بمعنى لم يكن، وإذا كان في المستقبل كان بمعنى لن يكون، وتأمل في ذلك قول الله تعالى: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا} (الإسراء: 40) تجد أن الاستفهام في الآية يفيد تكذيبهم وإبطال ما قالوه، والمعنى: لم يكن من الله تعالى اصطفاء ولا اتخاذ، وقد يأتي الاستفهام بمعنى النفي، كما في قول الله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (الرحمن: 60) والمعنى: ما جزاء الإحسان إلا الإحسان، تلك حقيقة مقررة، لا يُعارض فيها عاقل، ولكن فرق بين الدلالة عليها بالاستفهام والدلالة عليها بطريق النفي المعهود؛ إن في الاستفهام تحريكًا للفكر وتنبيهًا للعقل وحثًّا على النظر والتأمل، وهذا هو الفرق بين النفي الصريح وبين النفي عن طريق الاستفهام.
انظر مثلا إلى قوله تعالى: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا} (الفتح: 11) فالمعنى لا محالة: لا أحد يملك لكم من الله شيئا، ولكن الدلالة على هذا المعنى بالاستفهام فيها تنبيه لهؤلاء المخلّفين وحث لهم على تدبر أحوالهم ومراجعة أنفسهم والانقياد للحق واتباع سبيل الرشاد. وهكذا القول في الآيات الكريمة: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} (البقرة: 114)، وقوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ