وهذا تناقض فالسؤال عن الفاعل يقتضي بالضرورة معرفة فعل محدد معين حتى يقال في الجواب: فعله فلان، ولا يعقل أن يُسأل عن فاعل فعل غير محدد، فلا يقال: أأنت أكلت طعامًا؟ أأنت رأيت اليوم إنسانًا؟ أأنت قلت شعرًا؟ وإنما يسأل في مثل هذا عن الفعل فيقال: أأكلت طعامًا؟ أرأيت اليوم إنسانًا؟ أقلت شعرًا؟
وقد يكون السؤال بالهمزة عن الفعل، ويلي الهمزة غيره لغرض بلاغي وهو المبالغة في الإنكار وتأكيد الردع والزجر، وذلك عندما يلي الهمزة أو يُعطف على ما وليها الفاعل أو المفعول أو ظرف الذي ليس للفعل غيره، كقولك: أفي ليل وقع هذا أم في نهار؟ فأنت لا تسأل عن الظرف وإنما تُنكر وقوع الفعل، ولم يلِ الفعل الهمزة كما ترى، بل وليها عطف على ما وليها الظرف الذي ليس للفعل ظرف سواه، فإذا ما انتفى الظرف الذي لا ظرف يقع فيه الفعل غيره؛ كان هذا أبلغ في انتفاء الفعل وأشد إنكارًا وأقوى ردعًا لمن يدعي وقوعه، ومن ذلك قول الله تعالى: {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ} (الأنعام: 143) وقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} (يونس: 59)، فالمعنى على إنكار التحريم والإذن، وقد ولي الهمزة غيرهما مبالغة في الإنكار والزجر؛ لأنه إذا انتفي المفعول الذي ليس للفعل مفعول غيره في الآية الأولى، والفاعل الذي ليس للفعل فاعل سواه في الآية الثانية؛ كان ذلك أبلغ في انتفاء الفعل وأشد ردعًا وأقوى زجرًا لمن ادعى وجوده وثبوته كذا في (دلائل الإعجاز).