وظهور معناه، ومنه غريب القرآن والحديث. والنوع الثاني غير فصيح قطعًا، ويعاب استعماله مطلقًا لعدم تداوله على لسان أهل البادية، ومثل ذلك جُحَيْش بالفريد أي المستبد برأيه، وجَفَخَت، والحَلْقَد أي سيئ الخلق، والابتشاك بمعنى الكذب، وقد يطلقون على هذا النوع الوحشي الغليظ أو المتوعر، وكتب اللغة زاخرة بكثير من غريب اللغة الذي يمجه الذوق، وينفر منه السمع. وزاد بعض البلاغيين شرطًا آخر في فصاحة المفرد، وهو خلوصه من الكراهة في السمع، هكذا ذكره الخطيب القزويني؛ بأن يتبرأ السمع من سماعه كما يتبرأ من سماع الأصوات المنكرة؛ لأن اللفظ من قبيل الأصوات، والأصوات منها ما تستلذ النفس بسماعه، ومنها ما تكره سماعه كلفظ الجرشا في قول المتنبي:
كريم الجرشا شريف النسب
فالسمع ينفر من سماع هذا اللفظ، والذوق يمجه ويبرأ منه، ولا سيما في مقام المدح، فالمتنبي كان يمدح سيف الدولة الحمداني، ويعدد مناقبه، ومناقب المدح يقتضي الإتيان بألفاظ عذبة سلسلة سائغة واضحة المعنى، والبعد بقدر المستطاع عن الكلمات الغريبة التي ينبو عنها الطبع، وينفر منها السمع، كما في كلمة الجرشا وغيرها. والحق أن هذا الشرط لم يأت بجديد فيما يتعلق بفصاحة المفرد؛ ذلك أن الكراهة في السمع إما أن تكون راجعة إلى تنافر الحروف في الكلمة أو إلى غرابتها أو إليهما معًا، فليست شيئًا آخر غيرهما، وكلمة الجرشا فيها تنافر خفيف بالإضافة إلى غرابتها، وهذه الألفاظ تتردد كثيرًا في شعر المتنبي، ويبدو أنه كان يتعمد الإتيان بها لاستعراض قدرته اللغوية في هذا المضمار.