إجابة دعواه. وهذا الذي يخبر به الغنوي قد يطابق الواقع، فيكون صادقًا وقد يخالفه فيكون كاذبًا.
وقارن بين رثاء الغنوي في الأبيات المذكورة وبين قول الخنساء في رثاء أخيها صخر:
أعيني جودا ولا تجمدا ... ألا تبكيان لصخر الندى؟
ألا تبكيان الجواد الجميل؟ ... ألا تبكيان الفتى السيدا؟
تجد: الأسلوب هنا يختلف؛ الخنساء لا تخبر وإنما تنادي، وتأمر، وتنهى، وتسأل، هي تحض عينيها وتحثهما على بكاء صخر. هذه هي الأساليب الإنشائية، وهي وإن كان لها واقع في نفس الخنساء إلا أنه لا يقصد بتلك الأساليب مطابقة هذا الواقع أو مخالفته، وإنما يقصد بها إنشاء تلك المعاني.
كذلك القول في قول البحتري:
فيا ليت طالعة الشمسين غائبة ... ويا ليت غائبة الشمسين لم تغب
وقول الآخر:
ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها ... عقود مدح فما أرضَى لكم كلمي
هؤلاء الشعراء لم يريدوا الإخبار، وإنما قصدوا إلى إنشاء تلك المعاني.
ولذا ساغ للبلاغيين أن يقسموا الكلام إلى قسمين:
القسم الأول: الخبر: يقال عنه: أنه قول يحتمل الصدق والكذب لذاته. كقولك: جاء زيد، وذهب خالد، ونجح عمرو. فتلك أخبار تحتمل الصدق والكذب. وقيدوه بقولهم: لذاته أي: لذات القول؛ لينبهوا إلى تلك الأقوال التي لا تحتمل إلا الصدق، كأخبار القرآن الكريم، الحديث الشريف وكالأقوال الثابتة، نحو: