مثيل له، بل أشار إلى ذلك إشارةً خاطفةً، ولم يمد القول، وكأنه يريد أن يطويه سريعًا؛ ليصل إلى الغرض الأصلي من المدح وهو: نفي وجود المثل.

كذا في (الإيضاح).

وتأمل معي قول ذي الرمة يمدح بلال بن أبي بردة، وينفي عن نفسه مدح اللئام:

ولم أمدح لأرضيه بشعري ... لئيمًا أن يكون أصاب مالًا

ولكن الكِرام لهم ثنائي ... فلا أجزي إلى ما قيل قال

تجد أنه لما كان الغرض الأصلي أن ينفي عن نفسه مدح اللئام، وكان الإرضاء تعليلًا له، فقد ذكر الشاعر المفعول في الموضعين؛ وذلك ليقع نفي المدح على صريح لفظ اللئيم، ويقع الإرضاء على ضمير، ولو أنه حذف مفعول أمدح فقال: ولم أمدح لأرضي بشعري لئيمًا لما تحقق غرضه، ولتوهم متوهم أنه يريد أن ينفي عن نفسه إرضاء اللئيم، وأن هذا هو أصل كلامه وغرضه منه، وليس هذا في الحقيقة مراد الشاعر، بل مراده أن ينفي عن نفسه مدح اللئام؛ ليوقع في نفس ممدوحه أن ما يسمعه من شعر لا يعرف إلا الكرام، وأنه ليس موكلًا إلا بهم.

فالمقام في بيت البحتري قد اقتضى أن يحذف مفعول طلبه؛ ليقع نفي الوجود على صريح لفظ المثل، واقتضى في بيت ذي الرمة أن يذكر مفعولًا لأمدح ولأرضي؛ ليقع نفي المدح على صريح لفظ اللئيم أيضًا.

وقد يقصد بحذف المفعول دفع توهم غير المراد ابتداءً، ووقوع المعنى الذي يريده المتكلم في نفس مخاطبه من أول الأمر، كما في قول البحتري يمدح أبا الصقر الشيباني في قصيدته التي مطلعها:

أعن سَفهٍ يوم الأبيرق أم حلم ... وقوف بربع أو بُكاء على رسم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015