هذا، وقد يُقصد بحذف المفعول الإيضاح بعد الإبهام، وهذا غرض جليل؛ لأن الشيء إذا أُبهِم تطلعت النفوس إليه واشتاقت لمعرفته، فإذا ما بين بعد ذلك وقع في النفس موقعًا حسنًا، وترك فيها أثرًا طيبًا.
ويكثر هذا الحذف في مفعول المشيئة أو الإرادة الواقعة بعد "لو"، و"إن" ونحوهما من أدوات الشرط. كما ترى في قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} (النحل: 9). إذ المعنى: ولو شاء هدايتكم لهداكم أجمعين. فحذف مفعول: {شَاءَ}؛ لدلالة جواب الشرط عليه، وفي هذا الحذف إبهام يعقبه إيضاح وتبيين؛ لأن المخاطب إذا سمع قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ} (النحل: 93). تعلقت نفسه بشيء قد أبهم وهو مفعول: {شَاءَ}، وتطلعت إلى معرفته، فإذا ما ذكر الجواب: {لَهَدَاكُمْ} استبان ذلك الشيء، وعرف بعد أن كان قد أبهم؛ ولذا كان أوقع في النفس وأبلغ وأشد تأثيرًا.
وكذا القول في الآيات الكريمة: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (الأنعام: 35)، {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (الشورى: 24)، {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} (الشورى: 32، 33)، {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} (السجدة: 13) فقد حُذف مفعول المشيئة في الآيات الكريمة وتقديره: لو شاء الله أن يجمعهم على الهدى لجمعهم، لئن يشأ الله الختم على قلبك يختم، لئن يشأ الله إسكان الريح أسكنها، لو شئنا إتيان كل نفس هداها لآتينا. ولا يخفى عليك ما في حذف المفعول، ثم دلالة الجواب عليه من الإيضاح بعد الإبهام؛ فهذا مما يجعل المعنى يقر في النفس ويثبت ويقع منها موقعًا حسنًا.