أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} (الدخان: 51، 52). ففرق بين انغماس في جنات وعيون ومقام أمين، وغرفات ورحمة، وبين انغماس في ضلال أو غطاء عن ذكر الله أو عذاب مهين.
وتأمل بذلك ما جاء في قوله: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (آل عمران: 107)، {الَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} (سبأ: 38).
إلى غير ذلك من المعاني الدقيقة التي تراها كامنة وراء استخدام حروف الجر في القرآن والتراكيب الجيدة، وشأن الجار والمجرور شأن سائر المتعلقات، هي لا تذكر إلا إذا اقتضاها المقام ودعا إليها داع، انظر إلى ذكر المفعول المطلق، وإفادته للتأكيد في قول الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} (الفرقان: 21)، وقوله -عز وجل-: {فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} (الفرقان: 36)، وقوله: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا * وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} (الفرقان: 38، 39).
فتقييد الفعل بالمفعول المطلق في الآيات الكريمة: {عَتَوْا عُتُوًّا}، {دَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}، {تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} قد أدى إلى المبالغة وتوكيد وقوع هذه الأفعال. والمقام قد اقتضى ذلك، فهؤلاء لا يرجون لقاء الله ويطلبون إنزال الملائكة عليهم ويطلبون رؤية ربهم، وهذا عتو ما بعده عتو، وأولئك كذبوا واستكبروا، منهم من قال: أنا ربكم الأعلى، ومنهم من قال: من أشد منا قوة، منهم مَن عقر الناقة وعتى عن أمر ربه، فاستحقوا لهذا أن يضاعف لهم العذاب، وأن يؤخذوا أخذ عزيز مقتدر.