وقوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} (هود: 69). فالأصل: نسلم سلامًا، فقال: سلام عليكم. تلاحظ أن تحية إبراهيم -عليه السلام- جاءت بالجملة الاسمية، وتحيتهم جاءت بالجملة الفعلية، وكأنه -عليه السلام- أراد أن يجيبهم بأحسن مما حيوه به؛ أخذًا بآداب التحية في قول الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (النساء: 86). وخذ قول الله تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} (االأنبياء: 55). أرادوا: أحدث منك مجيء بالحق، ولم تكن كذلك، أم أنت مستمر في لعبك الذي عهدناه فيك. عبروا عن مجيئه بالحق بالفعل الذي يفيد التجدد، وعن اللعب بالجملة الاسمية التي تفيد تأكيد لعبه واستمرار أحوال لهوه في اعتقادهم. ولا يخفى عليك ما وراء ذلك من عنادهم وإعراضهم عن الإذعان للحق وقبول الهداية.
ومثال ذلك أيضًا: قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} (البقرة: 8). فقولهم: {آمَنَّا} إخبار بوقوع الإيمان وإحداثه، ولكونهم كاذبين في دعواهم، فقد نفاها الله -عز وجل- بالجملة الاسمية المؤكدة: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}. وقوله -عز وجل-: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (المائدة: 37). فقد أرادوا حدوث خروج، فأجيبوا بدوام البقاء واستمرار العذاب.
ومن ذلك: قوله أيضًا: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} (التوبة: 43) حيث عبر عن الصادقين بالفعل؛ لأنهم يحدثون صدقًا بعد صدق في كل موطن، وعبر عن الكاذبين