يقول الزمخشري: فإن قلت: لما قيل: {وَيَقْبِضْنَ} ولم يقل: قابضات، قلت: لأن الأصل في الطيران هو صف الأجنحة؛ لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء، والأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها، وأما القبض فطارئ على البسط للاستظهار به على التحرك. فجيء بما هو طارئ غير أصل بلفظ الفعل على معنى: أنهم صافات، ويكون منهن القبض تارة، ويكون منهن القبض تارة بعد تارة كما يكون من السابح. وكذا ذكره صاحب الكشاف.
والجملة في هذا الحكم كالمفرد، فإذا كان الاسم يفيد الثبوت والدوام في نحو قولك: زيد منطلق، وكذلك الجملة الاسمية. وإذا كان الفعل يفيد التجدد والحدوث في نحو قولك: ينطلق زيد، فكذلك الجملة الفعلية. ولكون الجملة الاسمية تفيد الثبوت والدوام كانت آكد من الجملة الفعلية، ومن أجل هذا فإنه يحسن إيثار التعبير بالجملة الاسمية في المقامات التي تتطلب التأكيد، تأمل قول الله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} (البقرة: 14). تجد أن المنافقين لكونهم قد أظهروا الإيمان؛ خوفًا ومداراةً للمؤمنين وليس عن يقين راسخ وثابت. وقد عبروا عنه بالجملة الفعلية: {آمَنَّا}، ولما كان الكفر ثابتًا وراسخًا في عقولهم قد خاطبوا شياطينهم بالجملة الاسمية المؤكدة: {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}.
وقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} (الأعراف: 193) كان الوثنيون الذين عبدوا الأصنام من عادتهم أنهم لا يدعون تلك الأصنام إذا نزلت بهم شدة، بل يدعون الله. وإذا ناسب التعبير عن صمتهم في الجملة الاسمية المفيدة للثبوت والدوام، وتأكيد الحكم، ولما كان الدعاء غير معتاد، فقد عبر عنه بالجملة الفعلية التي لا تفيد ثبوتًا. والمراد: سواء عليكم أأحدثتم الدعاء على غير عادة أم بقيتم مستمرين على عادة صمتكم.