تجد أنه يفخر بقصر تلك الصفات عليهم قصرًا حقيقيًا ادعائيًّا، بمعنى: أنها لا تتعداهم ولا تتجاوزهم إلى غيرهم، على سبيل المبالغة والادعاء. وخذ عندك مثلًا: قول الله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} (طه:67، 68). أي: أنت الأعلى لا هُم. فتعريف المسند أفاد قصره على المسند إليه قصرا إضافيًّا. بمعنى: أنه لا يتعداه إلى هؤلاء السحرة.
ومن صور وأغراض تعريف المسند: أن يعرف بالموصولية، فيفيد بالإضافة إلى قصره على المسند إليه دقائق ولطائف يدركها اللمَّاح الذواقة الخبير بالأساليب الرفيعة والتعبيرات الجيدة، انظر إلى قول المتنبي:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعت كلماتي مَن به صمم
أنام ملء جفوني عن شواردها ... ويسخر الخلق جراها ويختصم
تجد أن تعريف المسند بالموصولية، أفاد بالإضافة إلى قصر مدلول الصفة على المتنبي اشتهار جملة الصلة وانشغال الناس بها، هي أمر معروف بين الناس جميعًا يعرفونه ولا أحد يجهله.
وتأمل الآيات الكريمة: {هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ * وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (المؤمنون:78: 80). وتأمل قوله -عز وجل-: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (االأنبياء: 33). فإنك تجد المسند في الآيات الكريمة مقصور على المسند إليه قصرًا حقيقيًّا، ثم إن إيثار التعريف بالموصولية أفاد انشغال الخلق بتلك الأمور المثارة في جملة الصلة، واشتهارها بينهم وخوضهم فيها، وترددها على الأسماع. فتلك ميزة يمتاز بها التعريف بالاسم الموصول.