ومن ذلك أيضًا: إفادة التحقير والتهوين، كما في قول الشاعر:
غدرت بأمر كنت أنت دعوتنا ... إليه وبئس الشيمة الغدر بالعهد
وقد يترك الغدر الفتى وطعامه ... إذا هو أمسى حلبة من دم الفصد
فتنكير المسند: حلبة، أفاد التحقير، والمعنى: أن الوفي لا يغدر ولو أخنى عليه الدهر، وأمسى طعامه بهذه الحقارة حلبة من دم الفصد.
إلى غير ذلك من تنكير المسند.
وكما أن تنكير المسند يكون لوجوه بلاغية يأتي لتحقيقها، فإن تعريفه يكون كذلك لأغراض شتى، منها على سبيل المثال: إرادة العهد، بمعنى: أن يكون المسند معلومًا للمخاطب معهودًا له، ولكنه لا يعلم المسند إليه، وذلك بأن يعلم مخاطبك أن انطلاقًا وقع، ولكنه لا يدري ممن. فتقول له: زيد المنطلق. فتعريف المسند هنا أفاد إرادة العهد أي: الانطلاق المعهود لدى صاحبك، فإذا كان لا يعهد انطلاقًا ولا يعلمه، قلت له: زيد منطلق. تريد مجرد إخباره بوقوع انطلاق من زيد؛ ولذا كان من الخطأ أن تقول: زيد المنطلق وعمرو؛ لأنك تتحدث عن انطلاق معروف للمخاطب ومُعين. فإذا أثبته لزيد لا يصلح لك أن تثبته ثانيةً لعمرو؛ لأن هذا تناقض. فالصواب إذن أن تقول: زيد منطلق وعمرو. أو تقول: زيد وعمرو المنطلقان.
ويتضح لك هذا أكثر، عندما تقول مثلًا: امرئ القيس هو القائل:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول وحومل