بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثالث عشر
(تابع: أحوال المسند - أحوال متعلقات الفعل)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد:
فنتعرف على أغراض تنكير المسند، وأغراض تعريفه، ثم عن سر إيراده مفردًا أو جملةً، وفعلًا أو اسمًا، ثم الغرض وراء تقييده لو كان فعلًا بإن وإذا، ثم أخيرًا عن بعض أحوال متعلقات الفعل، ونخص من ذلك: تقييده بمفعول ونحوه.
من أحوال المسند:
أنه يرد أحيانًا نكرة، وأحيانًا معرفة. وتنكيره أو تعريفه إنما يكون لإفادة أغراض يقصد إليها البلاغي. فمن أغراض تنكيره: عدم إيراد التخصيص أو العهد، كقولك: محمد كاتب، وعمرو شاعر. إذا أردت مجرد الإخبار عنهما بالكتابة والشعر، أما إذا أردت التخصيص، فإنك تقول: محمد الكاتب، وعمرو الشاعر. كذلك إذا أردت كاتبًا أو شاعرًا معهودًا، قلت: فلان الكاتب أو الشاعر، فتعرف المسند في الحالتين.
ومنها: إرادة التفخيم والتعظيم، كما في قول الله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (البقرة: 2). أي: هو هدى. فتنكير المسند: {هُدًى} أفاد تعظيم هداية القرآن، وتفخيمها، وأنها بلغت درجة لا يمكن إدراك كنهها، ومثله قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأنعام: 155). وقوله -عز وجل-: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} (فصلت: 44). ولا يخفى عليك ما في تنكير المسند في الآيتين من إفادة التفخيم والتعظيم، {كِتَابٌ}، {قُرْآنًا}، {هُدًى}، {شِفَاءٌ}، {وَقْرٌ}، {عَمًى}، التنكير أفاد تفخيم القرآن، وتعظيم هدايته، والتنويه بشأنه.