وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}. فإن المسند لو حذف لدل عليه السؤال، وقد جاء كذلك في آيات أخرى إلا أن المقصد من ذكره هنا زيادة تقرير خلق الله للسموات والأرض. ومثله: قوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} (يس: 78، 79) وقد ذكر المسند في قوله: {يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا}. وفي السؤال ما يدل عليه كما ترى. والمقصود من الذكر: أن يتقرر أن الله أحياها، وفيه إشارة أخرى، وأنه لا يُسأل عن الإحياء بعد الموت أعني: عن إمكانه. سؤال مستبعد منكر إلا مَن في عقله غشاوة تحجبه عن الإدراك النافذ والرؤية الصادقة.
ومثله: لا يعول في خطابه على ذكاء، وهذه إشارة تجدها أيضًا في الآية السابقة: {خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}. وفي الآية لمحة ثالثة، نراها في قوله: {الَّذِي أَنْشَأَهَا} وكان يمكن أن يقال: يحييها الله، ولكن هذه الصلة تضمنت البرهان الصادق على جواب سؤالهم، وكأنه قال: يحييها الله بدليل أنه أنشأها أول مرة، وهذا أسلوب عجيب كما ترى. فقد قرر القضية بذكر المسند، وأقام بُرهانًا بذكر الموصول، فأصاب في الإفحام. وأدمج القضية ودليلها في أنفذ عبارة وأبينها، وكأنه يجمع بين الإيجاز الشديد وذكر ما يمكن حذفه. وهكذا الأساليب العالية لا تتبين فيها موضع إطناب من وجه إلا وترى إيجازًا خفيًّا من وجه آخر.
وإذا تأملت قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (النحل: 90). وجدته كلامًا في غاية الحسن، وجدته أيضًا يقرر بعضُه بعضًا، ويدل بعضه على بعض. فالإحسان داخل في العدل، وإيتاء ذي القربى داخل في الإحسان، وكذلك الفحشاء داخل