وقد يذكر المسند للتعريض بغباوة السامع، كقوله تعالى: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} (االأنبياء: 63). وذلك في جواب قولهم: {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ} (االأنبياء: 62). فلو قال: بل هذا، لكان المسند مفهومًا لدلالة السؤال الصريح عليه، إلا أنه -عليه السلام- عدَل عن الحذف؛ لأن في الحذف تعويلًا على ذكاء المخاطب، وتنويهًا بفهمه. ألا ترى أن المولى -عز وجل- إذا خاطَب العرب والأعراب أخرج الكلام مخرج الإشارة والوحي؟ وإذا خاطب بني إسرائيل، أو حكى عنهم جعل الكلام مبسوطًا؟ ومثله: قولك: محمد نبينا. في جواب مَن قال: من نبيكم؟ فتذكر المسند، ولو حذفته لدل عليه السؤال دلالةً واضحةً، ولكنك ذكرته؛ تعريضًا بالسامع، فإنه لو كان له فهم لم يسأل عن نبينا؛ لأنه أظهر من أن يُتوهم خفاؤه، فيجاب بذكر أجزاء الجملة؛ إعلامًا بأن مثله لا يكفي معه إلا التنصيص؛ لعدم فهمه بالقرائن الواضحة.
وقد يذكر ليتعين بالذكر كونه فعلًا، فيفيد التجدد والحدوث؛ لأن الفعل في أصل وضعه يدل على ذلك، أو ليتعين كونه اسمًا فيفيد الثبوت والدوام. تقول: زيد منطلق، وعمرو ينطلق. فلو حذفت المسند الثاني، وقلت: زيد منطلق وعمرو. لفهم انطلاق عمرو من الكلام الأول. ولكنك آثرت ذكر المسند؛ لتدل بصيغة الفعل على أنه يتجدد منه شيئًا فشيئًا، فهو ينطلق انطلاقًا عقب انطلاق. وتقول: زيد ينطلق وعمرو منطلق. فتذكر المسند فيهما، ولو حذفت الثاني لفهم من الكلام السابق انطلاق عمرو فقط، ولم يفهم منه الاستمرار. فأردت أن تنص على استمرار انطلاق عمرو، فذكرت المسند.
قد يذكر المسند لزيادة تقرير الكلام، وتثبيت معناه وتوضيحه حين يتعلق الغرض بذلك كما سبق أن ذكرنا، قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ