تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} (الشمس: 11: 13) أي: ذروا ناقة الله واحذروا سقياها. تجد أن الحذف هنا ينبئ بلهفة صالح -عليه السلام- وشدة حرصه على هداية قومه ونجاتهم؛ ولذا صاح بهم محذرًا: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}.
وانظر إلى قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- لجابر: ((ما تزوجتَ؟ فقال: ثيبًا. فقال -صلى الله عليه وسلم-: فهلَّا جارية تلاعبها وتلاعبك؟)). أراد -عليه السلام-: فهلَّا تزوجت جارية. فحذف الفعل والفاعل؛ لدلالة الكلام عليهما. وفي هذا الحذف تنقية للعبارة وتصفية لها مما أقيم عليه الدليل؛ حتى لا يكون ذكرُه عبثًا وفضولًا.
وقد يحذف المسند والمسند إليه ويقام المصدر مقامَهما، كما في قول الله تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} (محمد: 4) أي: فاضربوا رقابهم ضربًا. فحذف الفعل وفاعله، وهذا الحذف يلائم السياق؛ إذ الضرب المأمور به هو الضرب السريع الخاطف فور اللقاء. وتأمل هذه الفاءات: {فَإِذا لَقِيتُمُ}، {فَضَرْبَ}، {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا} (محمد: 4) وما تقتضيه من التعقيب والسرعة الخاطفة.
ومن حذف المسند والمسند إليه: حذف القول وفاعله، وهو كثير في كتاب الله تعالى. من ذلك: قوله -جل وعلا-: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} (الكهف:47، 48). أي: فيقال لهم: {لَقَدْ جِئْتُمُونَا}. ولعلك تشعر بما وراء هذا الحذف من تأنيب وتعنيف شديد، ويساعد في إبراز هذا التعنيف الالتفات من الغيبة إلى الخطاب: {وَعُرِضُوا}، {جِئْتُمُونَا}. ومنه قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا}