بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثاني
(الفصاحة والبلاغة)
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، وبعد:
فقد جرت عادة البلاغيين قبل الشروع في مباحث علم المعاني أن يذكروا مقدمة في بيان معنى الفصاحة والبلاغة، وانحسار علم البلاغة في العلوم الثلاثة: المعاني، والبيان، والبديع على غرار ما صنع الخطيب القزويني في كتابه (الإيضاح)، وهذا اتجاه سديد وصنيع محمود؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
وليس من الحكمة أن نشرع في تفاصيل علم من العلوم قبل أن نقف على المراد به والغرض منه، وقد وردت كلمة الفصاحة في اللغة بمعان كثيرة، كلها كما ذكرنا قبل ذلك تنبئ عن الظهور والبيان، ومن ذلك قول العرب: أفصح اللبن. أي انجلت عنه رغوته فظهر. وقولنا: سرينا حتى أفصح الصبح. أي بدا ضوءه. ومنه المثل المشهور: أفصح الصبح لذي عينين. وهذا يوم فصيح ومفصح؛ أي جلي لا غيم فيه، ولا ضباب. وأفصح به أي صرح به. ويقال: فصح الأعجمي وأفصح: إذا خلصت لغته من اللكنة واللحن وانطلق لسانه بالعربية. ومنه قوله تعالى: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} (القصص: 34) أي أبين وأظهر مني قولًا. ويقال أيضًا: أفصح الصبي في منطقه إذا أبان ووضح كلامه في أول أمره. وفصح الرجل وتفصح: إذا كان عربي اللسان فازداد فصاحة. والتفصح: استعمال الفصاحة. وقيل: التشبه بالفصحاء. هكذا ذكره ابن منظور في كتابه (لسان العرب).
والفصيح في اللغة المنطلق اللسان في القول، الذي يعرف جيد الكلام من رديئه، فهو طلق اللسان يكشف عن معانيه ويعبر عن مشاعره، ويعرب عن ضميره بلفظ