ويكون كلامك مع من قد عرف أن قد أتاك آت، فإن لم ترد ذلك كان الواجب أن تقول: جاءني رجل، فتقدم الفعل، وكذلك إن قلت: رجل طويل جاءني، لم يستقم حتى يكون السامع قد ظن أنه قد أتاك قصير، ونزلته منزلةَ مَن ظن ذلك.
وخلاصة مذهب عبد القاهر يدور -كما ترى- في الغالب حول أداة النفي؛ ف إن كانت سابقة على المسند إليه أيًّا كان نوعه أفاد الكلام التخصيص قطعًا، وإن لم تسبقه أداة نفي بأن تأخرت عنه أو لم توجد في الكلام أصلًا فننظر إلى المسند إليه؛ إن كان معرفة ظاهرًا أو ضميرًا احتمل الكلام التخصيص والتقوي، فتارةً يفيد التخصيص، وتارةً يفيد التقوي، وتارةً يفيد التقوية فقط، حسبما يقتضي المقام، وإن كان المسند إليه نكرة أفاد تقديمها التخصيص قطعًا، وبهذا تدرك أن تقديم المسند إليه النكرة على الفعل مفيد للتخصيص دائمًا بغض النظر عن النفي تقدم أو تأخر، أو لم توجد بأن كان الكلام على الإثبات، وفي هذا الحكم للنكرة يتفق السكاكي مع عبد القاهر -كما سنعلم ذلك إن شاء الله من مذهبه-.
هذا هو مذهب عبد القاهر الجرجاني. غير أن هناك أساليبَ قد وردت متحققًا فيها شرطه لإفادة التخصيص ومع ذلك لم تفد مثل قوله تعالى: {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ * بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ} (الأنبياء: 39، 40) فقوله: {وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}، {وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ} قدم فيه المسند إليه على الخبر الفعلي، وهو مسبوق بحرف النفي، ومع هذا أفاد التقوية فقط؛ لأن التخصيص يقتضي أن غيرهم يُنصر من عذاب الله وينظر حتى تأتيه الساعة وذلك لا يكون.
انتهى من كلام الشيخ أبو موسى في كتابه (خصائص التراكيب).