ومثَّل الخطيب القزويني لِمَا لا يصح بقوله: ما أنا رأيت أحدًا من الناس، وما أنا ضربت إلا زيدًا، بحمل النكرة الواقعة في سياق النفي على الاستغراق الحقيقي، أما إذا حُملت على الاستغراق العرفي بأن يقصد بلفظ "أحد" ما يمكنه رؤيته أو ضربه فلا يكون المثال فاسدًا بل يكون صحيحًا.
هذا كله إذا وقع المسند إليه بعد النفي كما اشترط الإمام عبد القاهر.
فإذا لم يقع المسند إليه بعد النفي بأن كان مثبتًا لا يوجد فيه نفي أصلًا، مثل: محمد سعى في حاجتك، وأنا كتبت في شأنك، ورجل اهتم بأمرك، أو وجد في الكلام نفي، لكنه تأخر عن المسند إليه ولم يتقدم على نحو ما ذكرنا، ففي هاتين الصورتين يفيد تقدم المسند إليه التخصيص احتمالًا لا حتمًا إذا كان معرفة ضميرًا أو اسمًا ظاهرًا كما في الأمثلة السابقة، حيث يجوز أن يراد من التركيب التخصيص، وأن يراد منه تقوي الحكم حسبما يتطلبه المقام، فإن كان المتكلم في مقام الرد على منازع في الحكم كان الكلام مفيدًا للتخصيص، وإن كان القصد إلى مجرد الحكم على المسند إليه من غير نظر إلى التعرض للرد على معارض، كان الكلام مفيدًا لتقوي الحكم وتقريره في ذهن السامع.
ولتوضيح ذلك أقول:
إذا قلت في حالة الإثبات -أي: انعدام النفي من الكلام- محمد سعى في حاجتي، فإن كنت قد أردت بهذا القول الرد على مَن زعم انفراد الغير بالسعي دون محمد، أو على من زعم اشتراك الغير معه في السعي، فالتركيب حينئذٍ مفيد للتخصيص؛ أي: قصر السعي على محمد دون هذا الغير، ويسمى القصر في الزعم الأول قصر قلب وفي الثاني قصر إفراد.